لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة : ٨٢ ، ٨٣].
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا جلس فى المسجد فجلس إليه المستضعفون من أصحابه ، خباب وعمار وأبو فكيهة يسار وصهيب وأشباههم هزئت بهم قريش وقال بعضهم لبعض : هؤلاء أصحابه كما ترون ، أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق! لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه وما خصهم الله به دوننا.
فأنزل الله عليهم : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام : ٥٢ ، ٥٤] (١).
وهؤلاء أيضا ، ومن قال بقولهم هم الذين عنى الله سبحانه بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) [الأحقاف : ١١].
قال ابن إسحاق (٢) : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما بلغنى كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مبيعة غلام نصرانى يقال له : جبر ، عبد لبنى الحضرمى ، وكانوا يقولون : والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتى به إلا جبر النصرانى ، فأنزل الله فى ذلك من قولهم : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل : ١٠٣] (٣).
وكان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : دعوه ، فإنما هو رجل أبتر ، لو قد مات لقد انقطع ذكره واسترحتم منه ، فأنزل الله عزوجل ، فى ذلك من قوله : (إِنَّا
__________________
(١) انظر الحديث فى : صحيح مسلم كتاب الفضائل (٤ / ٤٦) ، سنن ابن ماجه (٤١٢٧) ، تفسير الطبرى (٧ / ١٢٧).
(٢) انظر : السيرة (١ / ٣٢٢).
(٣) انظر الحديث فى : مستدرك الحاكم (٢ / ٣٥٧) ، الواحدى فى أسباب النزول (ص ٢٣٥) ، تفسير الطبرى (١٤ / ١١٩ ، ١٢٠).