قال ابن إسحاق (١) : وكان فيما بلغنى عن أم هانئ بنت أبى طالب أنها كانت تقول : ما أسرى برسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا وهو فى بيتى ، نام عندى تلك الليلة فصلى العشاء الآخرة ثم نام ونمنا ، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما صلى الصبح وصلينا معه قال : يا أم هانئ ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادى ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم قد صليت معكم صلاة الغداة الآن كما ترين ، ثم قام ليخرج فأخذت بطرف ردائه ، فتكشف عن بطنه وكأنه قبطية مطوية ، فقلت : يا نبى الله ، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك ، قال : والله لأحدثنهموه. فقلت لجارية لى حبشية : ويحك ، اتبعى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى تسمعى ما يقول للناس وما يقولون له ، فلما خرج إلى الناس أخبرهم فعجبوا وقالوا : ما آية ذلك يا محمد ، فإنا لم نسمع بمثل هذا قط؟ قال : آية ذلك أنى مررت بعير بنى فلان بوادى كذا ، فأنفرهم حسن الدابة ، فند لهم بعير فدللتهم عليه وأنا موجه إلى الشام ، ثم أقبلت حتى إذا كانت بضجنان مررت بعير بنى فلان فوجدت القوم نياما ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء ، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ثم غطيت عليه كما كان ، وآية ذلك أن عيرهم الآن تصوب من البيضاء ، ثنية التنعيم ، يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء ، فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل ، كما وصف لهم ، وسألوهم عن الإناء فأخبروهم أنهم وضعوه مملوء ماء ثم غطوه ، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوا ولم يجدوا فيه ماء ، وسألوا الآخرين وهم بمكة فقالوا : صدق والله ، لقد أنفرنا فى الوادى الذي ذكر وندّ لنا بعير ، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه حتى أخذناه (٢).
قال ابن إسحاق (٣) : وحدثني من لا أتهم ، عن أبى سعيد الخدرى أنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : لما فرغت مما كان فى بيت المقدس أتى بالمعراج ، ولم أر شيئا قط أحسن منه ، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر ، فأصعدنى صاحبى فيه حتى انتهى بى إلى باب من أبواب السماء يقال له : باب الحفظة ، عليه ملك من الملائكة يقال له :
__________________
ـ يمشى بقوة. والصبب : الحدور ، يقال : انحدرنا فى صبوب وصبب. وقوله : جليل المشاش : يريد رءوس المناكب. العشرة : الصحبة. والعشير : الصاحب. والبديهة : المفاجأة ، يقال : بدهته بأمر أى فجأته.
(١) انظر : السيرة (٢ / ١٢ ـ ١٣).
(٢) انظر الحديث فى : تفسير الطبرى (١٥ / ٢) ، تفسير ابن كثير (٥ / ٣٩) ، مجمع الزوائد للهيثمى (١ / ٧٦ ، ٩ / ٤٢) ، عيون الأثر لابن سيد الناس (١ / ١٧٤).
(٣) انظر : السيرة (٢ / ١٣).