فقلت : هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله ، وبكيت ، قال : «لا تحزن إن الله معنا!».
قال : فلما دنا فكان بيننا وبينه قدر رمحين أو ثلاثة قلت : هذا الطلب يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد بلغنا ، وبكيت ، قال : «ما يبكيك؟» فقلت : أما والله ما على نفسى أبكى ، ولكنى أبكى عليك ، فدعا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اكفناه بما شئت» ، فساخت فرسه فى الأرض إلى بطنها ، فوثب عنها وقال : يا محمد ، قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجينى مما أنا فيه ، فو الله لأعمين على من ورائى من الطلب ، وهذه كنانتى فخذ منها سهما فإنك ستمر على إبلى وغنمى بمكان كذا وكذا ، فخذ منها حاجتك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا حاجة لى فى إبلك» ، ودعا له ، فانطلق راجعا إلى أصحابه. وفى حديث البخاري ومسلم : فجعل لا يلقى أحدا إلا قال : قد كفيتكم ما هنا. فلا يلقى أحدا إلا ردة. قال : ووفى لنا (١).
وعن سراقة بن مالك بن جعشم فيما أورده ابن إسحاق (٢) قال : لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم. قال : فبينما أنا جالس فى نادى قومى أقبل رجل منا حتى وقف علينا فقال : والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا على آنفا ، إنى لأراهم محمدا وأصحابه ، قال : فأومأت إليه ، يعنى أن أسكت ، ثم قلت : إنما هم بنو فلان يتبعون ضالة لهم. قال : لعله. ثم سكت.
فمكثت قليلا ثم قمت فدخلت بيتى ، ثم أمرت بفرسى فقيد لى إلى بطن الوادى وبسلاحى فأخرج لى من دبر حجرتى ، ثم أخذت قداحى التي أستقسم بها ، ثم انطلقت فلبست لامتى ، ثم أخرجت قداحى ، فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره : لا يضره. وكنت أرجو أن أرده على قريش فآخذ المائة ، فركبت على أثره ، فبينا فرسى يشتد بى عثر بى فسقطت عنه ، فقلت : ما هذا؟! ثم أخرجت قداحى فاستقسمت بها
__________________
ـ الترجمة رقم (١٩٥٥) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٢١٠) ، تقريب التهذيب (١ / ٢٨٤) ، تهذيب التهذيب (٣ / ٤٥٦) ، تهذيب الكمال (١ / ٤٦٦) ، شذرات الذهب (١ / ٣٥) ، الأعلام (٣ / ٨٠) ، الأنساب (٧ / ١١٦) ، العقد الثمين (٤ / ٥٢٣).
(١) انظر الحديث فى : صحيح البخاري (٤ / ٢٤٦ ، ٥ / ٤) ، صحيح مسلم (٢٣١٠) ، مسند الإمام أحمد (١ / ٢ ، ٣) ، مصنف ابن أبى شيبة (١٤ / ٣٢٨) ، دلائل النبوة للبيهقى (٢ / ٤٧٨ ، ٤٨٥) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ٥٢) ، شرح السنة للبغوى (١٣ / ٣٦٩) ، الدر المنثور للسيوطى (٣ / ٢٣٩) ، فتح البارى لابن حجر (٧ / ٨).
(٢) انظر : السيرة (٢ / ٩٦ ـ ٩٧).