وأم أيوب فى العلو ، فقلت له : يا نبى الله بأبى أنت وأمى! إنى لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتى ، فاظهر أنت فكن فى العلو وننزل نحن فنكون فى السفل. فقال : «يا أبا أيوب ، إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن تكون فى سفل البيت» (١).
فلقد انكسر حب لنا فيه ماء ، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء ، تخوفا أن يقطر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم منه شيء فيؤذيه.
فكنا نصنع له العشاء ثم نبعث به إليه ، فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه ، نبتغى بذلك البركة ، حتى بعثنا إليه بعشائه وقد جعلنا له فيه بصلا أو ثوما ، فرده رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم أر ليده فيه أثرا ، فجئته فزعا فقلت : يا رسول الله ، بأبى أنت وأمى رددت عشاءك ولم أر فيه موضع يدك ، وكنت إذا رددته علينا تيممت أنا وأم أيوب موضع يدك نبتغى بذلك البركة. قال : إنى وجدت فيه ريح هذه الشجرة وأنا رجل أناجى ، فأما أنتما فكلوه. فأكلناه ولم نصنع له تلك الشجرة بعد (٢).
قال ابن إسحاق (٣) : وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يبق بمكة منهم أحد إلا مفتون أو محبوس ، ولم يوعب أهل هجرة من مكة بأهليهم وأموالهم إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسوله صلىاللهعليهوسلم ، إلا أهل دور مسمون ، بنو مظعون من بنى جمح ، وبنو جحش ابن رئاب ، حلفاء بنى أمية ، وبنو البكير من بنى سعد بن ليث ، حلفاء بنى عدى بن كعب ، فإن دورهم غلقت بمكة هجرة ، ليس فيها ساكن.
فأقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة ، بنى له فيها مسجده ومساكنه. قال : وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما بلغنى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن ، نعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما لم يقل ، أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : «أما بعد ، أيها الناس ، فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ، ثم ليقولن له ربه ، ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه : ألم يأتك رسولى فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم. فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل ، ومن لم
__________________
(١) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٥ / ٤١٥) ، صحيح مسلم كتاب الفتن (٣ / ١٧١).
(٢) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٢٠١) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٤٦٠) ، ورواه أبو بكر بن أبى شيبة وابن أبى عاصم كما فى الإصابة (١ / ٤٠٥).
(٣) انظر : السيرة (٢ / ١٠٧).