ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نزل الشّعب من أحد فجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال : «لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال» (١).
وقد سرحت قريش الظهر والكراع فى زروع كانت للمسلمين ، فقال رجل من الأنصار : أترعى زرع بنى قيلة ولما نضارب!
وتعبى رسول الله صلىاللهعليهوسلم للقتال وهو فى سبعمائة رجل ، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بنى عمرو بن عوف ، وهو معلم يومئذ بثياب بيض ، والرماة خمسون رجلا ، فقال : انضح الخيل عنا لا يأتوننا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك.
وظاهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين درعين ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخى بنى عبد الدار.
وتعبأت قريش وهم ثلاث آلاف ومعهم مائتا فرس قد جنبوها ، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبى جهل.
وقد كان أبو عامر عبد عمرو بن صيفى من الأوس ، خرج عن قومه إلى مكة مباعدا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكان يعد قريشا أن لو لقى قومه لم يختلف عليه منهم رجلان ، فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر فى الأحابيش وعبدان أهل مكة ، فنادى : يا معشر الأوس أنا أبو عامر. قالوا : فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق. وبذلك سماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان يسمى فى الجاهلية الراهب ، فلما سمع ردهم عليه ، قال : «لقد أصاب قومى بعدى شر! ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم راضخهم (٢) بالحجارة» (٣).
وقال أبو سفيان ـ يومئذ ـ لأصحاب اللواء من بنى عبد الدار يحرضهم بذلك : يا بنى عبد الدار ، إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم ، وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم ، إذا زالت زالوا ، فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه. فهموا به وتواعدوه قالوا : أنحن نسلم إليك لواءنا! ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع. وذلك أراد أبو سفيان.
فاقتتل الناس حتى حميت الحرب.
__________________
(١) انظر الحديث فى : الدر المنثور للسيوطى (٥ / ٦١).
(٢) راضخهم : رماهم.
(٣) انظر الحديث فى : تاريخ الطبرى (٢ / ٥١٢).