وقاتل أبو دجانة (١) سماك بن خرشة أخو بنى ساعدة ، حتى أمعن فى الناس ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لسيف عنده : «من يأخذ هذا السيف بحقه؟» فقام إليه رجال فأمسكه عنهم ، حتى قام إليه أبو دجانة فقال : وما حقه يا رسول الله؟ قال : «أن تضرب به فى العدو حتى ينحنى» (٢). قال : أنا آخذه يا رسول الله بحقه. فأعطاه إياه ، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب ، وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل ، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخرج عصابته تلك فعصب بها رأسه ، ثم جعل يتبختر بين الصفين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين رآه يتبختر : «إنها لمشية يبغضها الله إلا فى مثل هذا الموطن» (٣).
وكان الزبير بن العوام قد سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك السيف مع من سأله منه فمنعه إياه ، فقال : وجدت فى نفسى حين سألته إياه فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة ، وقلت : أنا ابن صفية عمته ومن قريش وقد قمت إليه فسألته إياه قبله فأعطاه إياه وتركنى! والله لأنظرن ما يصنع ، فأتبعه ، فأخرج عصابة حمراء فعصب بها رأسه ، فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت! وهكذا كانت تقول له إذا تعصب لها ، فخرج وهو يقول :
أنا الذي عاهدنى خليلى |
|
ونحن بالسفح لدى النخيل |
أن لا أقوم الدهر فى الكيول |
|
أضرب بسيف الله والرسول (٤) |
فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله ، وكان فى المشركين رجل لا يدع جريحا إلا ذفف عليه : فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه ، فدعوت الله أن يجمع بينهما ، فالتقيا فاختلفا ضربتين ، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه ، وضربه أبو دجانة فقتله ، ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها ، قال الزبير : فقلت الله ورسوله أعلم.
__________________
(١) انظر ترجمته فى : أسد الغابة ترجمة رقم (٥٨٦٣) ، الإصابة ترجمة رقم (٩٨٦٦) ، تنقيح المقال (٣ / ١٥) ، ريحانة الأدب (٧ / ٩٥) ، معجم رجال الحديث (٢١ / ١٥١).
(٢) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٣ / ١٢٣) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٢٣٠) ، مصنف ابن أبى شيبة (١٢ / ٢٠٦ ، ١٤ / ٤٠١) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ١٠٩ ، ٩ / ١٢٤) ، كنز العمال للمتقى الهندى (١٠٩٧٢ ، ١٠٩٧٣) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٥).
(٣) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٣ / ٢٣٤) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٥).
(٤) الكيول : آخر الصفوف فى الحرب.