وقال أبو دجانة : رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا فصمدت إليه ، فلما حملت عليه السيف ولول فإذا امرأة ، فأكرمت سيف رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن أضرب به امرأة.
وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أحد النفر الذين كانوا يحملون اللواء من بنى عبد الدار ، وكان جبير بن مطعم قد وعد غلامه وحشيا بالعتق إن قتل حمزة بعمه طعيمة ابن عدى المقتول يوم بدر ، قال وحشى : فخرجت مع الناس وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قل ما أخطئ بها شيئا ، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة حتى رأيته فى عرض الناس مثل الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ما يقوم له شيء ، فو الله إنى لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو منى إذ تقدمنى إليه سباع بن عبد العزى الغبشانى ، فلما رآه حمزة قال له : هلم إلى يا بن مقطعة البظور. وكانت أمه ختّانة بمكة ، قال : فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه ، قال : وهززت حربتى حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فى ثنته حتى خرجت من بين رجليه وذهب لينوء نحوى فغلب وتركته وإياها حتى مات ، ثم أتيته فأخذت حربتى ورجعت إلى العسكر فقعدت فيه ، ولم تكن لى بغيره حاجه ، إنما قتلته لأعتق.
فلما قدمت مكة عتقت ، ثم أقمت حتى افتتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة هربت إلى الطائف فكنت بها ، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليسلموا تعيت على المذاهب ، فو الله إنى لفى ذلك إذ قال لى رجل : ويحك إنه والله ما يقتل أحدا من الناس دخل فى دينه ، فلما قال لى ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة فلم يرعه إلا بى قائما على رأسه أتشهد شهادة الحق ، فلما رآنى قال : أو حشىّ؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : أقعد فحدثنى كيف قتلت حمزة ، فحدثته فلما فرغت قال : ويحك! غيب عنى وجهك. فكنت أتنكّبه صلىاللهعليهوسلم حيث كان لئلا يرانى حتى قبضه الله تعالى.
فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب خرجت معهم وأخذت بحربتى التي قتلت بها حمزة ، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة قائما فى يده السيف وما أعرفه ، فتهيأت له وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده ، فهززت حربتى حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه وشدّ عليه الأنصاري فضربه بالسيف ، فربك أعلم أينا قتله ، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد قتلت شر الناس! وذكر ابن إسحاق (١) بإسناد له إلى عبد الله بن عمر ، وكان شهد اليمامة قال : سمعت يومئذ صارخا يقول : قتله العبد الأسود.
__________________
(١) انظر السيرة (٣ / ٣٣).