والتقى يوم أحد حنظلة بن أبى عامر الغسيل وأبو سفيان ، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود بن شعوب قد علا أبا سفيان فضربه شداد فقتله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن صاحبكم ـ يعنى حنظلة ـ لتغسله الملائكة فسلوا أهله ما شأنه؟ فسئلت صاحبته ، فقالت : خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة. فقال : رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لذلك غسلته الملائكة» (١).
ثم أنزل نصره على المسلمين وصدقهم وعده فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر ونهكوهم قتلا.
وقد حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات ، كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة ، وكانت الهزيمة لا شك فيها.
فلما أبصر الرماة الخمسون أن الله قد فتح لإخوانهم قالوا : والله ما نجلس هنا لشىء ، قد أهلك الله العدو ، وإخواننا فى عسكر المشركين ، فتركوا منازلهم التي عهد إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن لا يتركوها ، وتنازعوا وفشلوا ، وعصوا الرسول فأوجفت الخيل فيهم قتلا ، ولم يكن نبل ينضحها ووجدت مدخلا عليهم ، فكان ذلك سبب الهزيمة على المسلمين بعد أن كانت لهم.
قال الزبير بن العوام رضى الله عنه : والله ، لقد رأيتنى أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها منكشفات هوارب ، ما دون أخذهن قليل ولا كثير ، إذا مالت الرماة إلى العسكر حتى كشفنا القوم عنه ، وخلوا ظهورنا للخيل ، فأتتنا من خلفنا ، وصرخ صارخ : ألا إن محمدا قد قتل ، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء ، حتى ما يدنو منه أحد من القوم.
وانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدو ، ويقال : إن الصارخ هو الشيطان.
وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة. حتى خلص العدو إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدث بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وكلمت شفته وشج فى وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه ، وجعل صلىاللهعليهوسلم يمسحه وهو يقول : «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم» (٢).
__________________
(١) انظر الحديث فى : السنن الكبرى للبيهقى (٤ / ١٥) ، دلائل النبوة للبيهقى (٣ / ٢٤٦) ، إرواء الغليل للألبانى (٣ / ١٦٧) ، السلسلة الصحيحة للألبانى (١ / ٥٨١).
(٢) انظر الحديث فى : سنن ابن ماجه (٤٠٢٧) ، مسند الإمام أحمد (٣ / ٢٠٦) ، الدر المنثور ـ