وأصيب فم عبد الرحمن بن عوف فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر ، أصابه بعضها فى رجله فعرج.
وأتى أنس بن النضر عم أنس بن مالك وبه سمى ، إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله فى رجال من المهاجرين والأنصار قد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم؟ قالوا : قد قتل محمد رسول الله. قال : فما تصنعون بالحياة بعده! قوموا على ما مات عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل ، رحمهالله تعالى.
وروى حميد عن أنس ، أن عمه أنس بن النضر هذا غاب عن قتال يوم بدر ، فقال : غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلىاللهعليهوسلم المشركين لئن أشهدنى الله قتالا ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال : اللهم إنى أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ، يعنى المشركين ، وأعتذر إليك مما جاء به هؤلاء ، يعنى المسلمين ، ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال : أى سعد ، والذي نفسى بيده إنى لأجد ريح الجنة دون أحد! واها لريح الجنة. فقال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع. فوجدناه بين القتلى وبه بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم ، وقد مثلوا به حتى عرفته أخته ببنانه.
قال أنس : كنا نقول أنزلت هذه الآية : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٢٣] فيه وفى أصحابه.
قال ابن إسحاق (١) : وكان أول من عرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد الهزيمة وتحدث الناس بقتله : كعب بن مالك الأنصاري ، قال : عرفت عينيه تزهران تحت المغفر فناديت بأعلى صوتى : يا معشر المسلمون أبشروا ، هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأشار إلى أن أنصت. فلما عرف المسلمون رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشّعب ، معه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والحارث بن الصمة ، ورهط من المسلمين.
فلما أسند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى الشعب أدركه أبى بن خلف وهو يقول : أين محمد : لا نجوت إن نجوت! فقال القوم : يا رسول الله ، أيعطف عليه رجل منا؟ فقال : «دعوه»(٢).
__________________
(١) انظر السيرة (٣ / ٤٦).
(٢) انظر الحديث فى : مستدرك الحاكم (٣ / ٦٢٤) ، سنن ابن ماجه (٥٣٠) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٣ / ١٩).