فلما دنا تناول رسول الله صلىاللهعليهوسلم الحربة من الحارث بن الصمة ، يقول بعض القوم : فلما أخذها رسول الله صلىاللهعليهوسلم منه انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعراء من ظهر البعير إذا انتفض بها ، ثم استقبله فطعنه فى عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا.
وكان أبى بن خلف يلقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة فيقول : يا محمد ، إن عندى العوذ ، فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه. فيقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا أقتلك إن شاء الله» (١).
فلما رجع إلى قريش وقد خدشه فى عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم قال : قتلنى والله محمد! فقالوا له : ذهب والله فؤادك! والله إن بك بأس. قال : إنه قد كان قال لى بمكة : أنا أقتلك. فو الله لو بصق على لقتلنى.
فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به إلى مكة.
وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما قاله يومئذ : «اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله» (٢). فسحقا لأصحاب السعير.
ولما انتهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الشعب خرج على بن أبى طالب حتى ملأ درقته من المهراس ، فجاء به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليشرب منه ، فوجد له ريحا فعافه ولم يشرب منه ، وغسل عن وجهه الدم فصب على رأسه وهو يقول : «اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله» (٣).
فبينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى الشعب معه أولئك النفر من أصحابه إذا علت عالية من قريش الجبل فقال : «اللهم إنه لا ينبغى لهم أن يعلونا» (٤) فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل.
ونهض رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها فلم يستطع ، وقد كان بدن
__________________
(١) انظر الحديث فى : تفسير القرطبى (٧ / ٣٨٥) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ٣٥) ، الطبقات الكبرى لابن سعد (٢ / ١ / ٣٢).
(٢) انظر الحديث فى : مستدرك الحاكم (٤ / ٢٧٥) ، شرح السنة للبغوى (١٢ / ٣٣٧) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٢٩٨٨٥ ، ٢٩٨٨٧).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) انظر الحديث فى : تفسير الطبرى (٤ / ٩٠) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ٣٦) ، دلائل النبوة للبيهقى (٣ / ٢٣٨).