صلىاللهعليهوسلم لابنها الزبير بن العوام : «القها فأرجعها ، لا ترى ما بأخيها». فقال لها : يا أمه ، إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمرك أن ترجعى. قالت ولم؟ وقد بلغنى أن قد مثّل بأخى ، وذلك فى الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله. فلما أخبر الزبير بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال له : «خل سبيلها». فأتته فنظرت إليه فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له.
ثم أمر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدفن.
وزعم آل عبد الله بن جحش أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دفن عبد الله بن جحش مع حمزة فى قبره ، وهو ابن أخته أميمة بنت عبد المطلب ، وكان قد مثل به كما مثل بخاله حمزة ، إلا أنه لم يبقر عن كبده وجدع أنفه وأذناه ، فلذلك يقال له : المجدع فى الله.
وكان فى أول النهار قد لقى سعد بن أبى وقاص فقال له عبد الله : هلم يا سعد فلندع الله وليذكر كل واحد منا حاجته فى دعائه وليؤمن الآخر. فقال سعد : يا رب إذا لقيت العدو فلقنى رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك ويقاتلنى ثم ارزقنى الظفر عليه حتى أقتله وأسلبه سلبه. فأمن عبد الله بن جحش ثم قال : اللهم ارزقنى رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك ويقاتلنى فيقتلنى ثم يجدع أنفى وأذنى ، فإذا لقيتك غدا قلت لى : يا عبد الله ، فيم جدع أنفك وأذناك؟ فأقول : فيك يا رب وفى رسولك. فتقول لى : صدقت. فأمن سعد على دعوته.
قال سعد : كانت دعوة عبد الله خيرا من دعوتى ، لقد رأيته النهار وإن أذنيه وأنفه معلقان فى خيط ، ولقيت أنا فلان من المشركين فقتلته وأخذت سلبه.
وذكر الزبير أن سيف عبد الله بن جحش انقطع يوم أحد فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عرجونا فعاد فى يده سيفا منه ، فقاتل به فكان ذلك السيف يسمى العرجون ، ولم يزل هذا يتوارث حتى بيع من بغا التركى بمائتى دينار.
واحتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها ، ثم نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك قال : «ادفنوهم حيث صرعوا» (١).
ولما أشرف صلوات الله عليه وسلامه يوم أحد على القتلى قال : «أنا شهيد على هؤلاء ، إن ما من جريح يجرح فى الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون
__________________
(١) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٣ / ٢٩٠).