دم والريح ريح مسك ، انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه فى القبر» (١). وكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة فى القبر الواحد.
وقال ـ يومئذ ـ حين أمر بدفن القتلى : «انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام ، فإنهما كانا متصافيين فى الدنيا فاجعلوهما فى قبر واحد» (٢).
وذكر مالك بن أنس فى موطّئه أن السيل حفر قبرهما بعد زمان فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما ، فوجدا لم يتغيرا كأنما ماتا بالأمس ، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت ، وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة.
ثم انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم راجعا إلى المدينة فلقيته حمنة بنت جحش ، فلما لقيت الناس نعى لها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له ، ثم نعى لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له ، ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن زوج المرأة منها لبمكان» (٣) لما رأى من تثبتها على أخيها وخالها وصياحها على زوجها.
ومر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بدار من دور الأنصار فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم ، فذرفت عيناه فبكى ، ثم قال : «لكن حمزة لا بواكى له» (٤).
فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بنى عبد الأشهل أمرا نساءهما أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ففعلن فلما سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب المسجد يبكين عليه ، فقال : «ارجعن
__________________
(١) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ٤١ ، ٤٢) ، الطبقات الكبرى لابن سعد (٣ / ١ / ٧).
(٢) انظر الحديث فى : الطبقات الكبرى لابن سعد (٢ / ٥٦٢) ، موطأ مالك (٢ / ٤٧٠ / ٤٩).
(٣) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٣ / ٣٠١) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ٤٦).
(٤) انظر الحديث فى : سنن ابن ماجه (١٥٩١) ، مسند الإمام أحمد (٢ / ٤٠ ، ٨٤ ، ٩٢) ، السنن الكبرى للبيهقى (٤ / ٧٠) ، مستدرك الحاكم (١ / ٣٨١ ، ٣ / ١٩٥) ، المعجم الكبير للطبرانى (٣ / ١٥٩ ، ١١ / ٣٩٢) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ١٢٠) ، الطبقات الكبرى لابن سعد (٢ / ١ / ٣١ ، ٣ / ١ / ٥ ، ١٠ ، ١١) ، مصنف ابن أبى شيبة (٣ / ٣٩٤) ، مصنف عبد الرزاق (٦٦٩٤) ، دلائل النبوة للبيهقى (٣ / ٢١٦ ، ٣٠١) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣٦٩٤٥).