واستنفذوا فى آنائهم ، ككتاب محمد بن إسحاق ، الذي تولى عبد الملك بن هشام تهذيبه واختصاره ، وكتاب موسى بن عقبة ، الذي استحسن الأئمة اقتصاده واقتصاره ، وغيرهما من المجموعات التي لا يديم الإنصاف قصد جماعها ولا يذم الاختبار اختياره.
ولكنه عظم المعول بحكم الخاطر الأول على كتاب ابن إسحاق ، إياه أردت وتجريده من اللغات وكثير من الأنساب والأشعار قصدت ، وعلى ترتيبه غالبا جريت ، ومنزعه فى أكثر ما يخص المغازى تحريت.
فإنه الذي شرب ماء هذا الشأن فأنقع ، ووقع كتابه من نفوس الخاص والعام أجل موقع.
إلا أنه يتخلله ، كما أشرنا إليه قبل ، أشياء من غير المغازى تقدح عند الجمهور فى إمتاعه ، وتقطع بالخواطر المستجمعة لسماعه.
وإن كانت تلك القواطع عريقة فى نسب العلم ، وحقيقة بالتقييد والنظم. فسعى أن يكون لها مكان هو بإيرادها أخص ، إذ لكل مقام لا يحسن فى غيره الإيراد له والنص.
ولذلك نويت فيه أن أحذف ما تخلله من مشبع الأنساب التي ليس احتياج كل الناس إليها بالضرورى الحثيث ، ونفيس اللغات المعوق اعتراضها اتصال الأحاديث ، حتى لا يبقى إلا الأخبار المجردة ، وخلاصة المغازى التي هى فى هذا المجموع المقصودة المعتمدة.
ظنا منى أنه إذا أذن الله فى تمامه ، وتكفل تعالى بتيسير محاولته وفق المأمول وتقريب مرامه ، استأنفت النفوس له قبولا وعليه إقبالا ، ولم يزده هذا النقص لدى جمهورهم إلا كمالا.
ثم بدا لى أن أزيد على هذا المقدار ما يحسن فى هذا المضمار ، وأعوض مما حذفت منه من اللغات والأنساب والأشعار ، بما يكون له إن شاء الله مزية الاختيار ، ويروق عليه رونق الإيثار ، منتقيا ذلك من الدواوين التي طار بها فى الناس طائر الاشتهار ، ومتخيرا له من الأماكن التي لا يستقل بحصر فوائدها وانتقاء فرائدها كل مختار.
ككتاب ابن عقبة ، وقد سميته ، فإنه وإن اختصره جدا فقد أحسن العبارة ، وأتى مواضع من المغازى حذاها بسطه وحماها اختصاره.
وسأضع على كثير منها ميسمه وأرسمها فى هذا المختصر على نحو ما رسمه.