يا عين جودى بفيض غير إبساس |
|
على كريم من الفتيان لباس |
صعب البديهة ميمون نقيبته |
|
حمال ألوية ركاب أفراس (١) |
أقول لما أتى الناعى له جزعا |
|
أودى الجواد وأودى المطعم الكاسى (٢) |
وقلت لما خلت منه مجالسه |
|
لا يبعد الله عنا قرب شماس |
فأجابها أخوها يعزيها فقال :
اقنى حياءك فى ستر وفى كرم |
|
فإنما كان شماس من الناس (٣) |
لا تقتلى النفس إذ حانت منيته |
|
فى طاعة الله يوم الروع والباس (٤) |
قد كان حمزة ليث الله فاصطبرى |
|
فذاق يومئذ من كأس شماس |
وقالت هند بنت عتبة حين انصرف المشركون عن أحد :
رجعت وفى نفسى بلابل جمة |
|
وقد فاتنى بعض الذي كان مطلبى (٥) |
من أصحاب بدر من قريش وغيرهم |
|
بنى هاشم منهم ومن أهل يثرب |
ولكنني قد نلت شيئا ولم يكن |
|
كما كنت أرجو فى مسيرى ومركبى |
وهذه هند أم معاوية بن أبى سفيان ، وكانت امرأة فيها مكارة وذكورة ولها نفس وأنفة ، وكان المسلمون قد أصابوا يوم بدر أباها عتبة وعمها شيبة وأخاها الوليد ، فأصابها من ذلك ما يصيب من مثله النفوس الشهمة والقلوب الكافرة ، فخرجت إلى أحد مع زوجها أبى سفيان تبتغى الانتصار وتطلب الأوتار ، فهذا قولها ـ يرحمها الله ـ والوتر يقلقها والكفر يحنقها والحزن يحرقها والشيطان ينطقها.
ثم إن الله سبحانه هداها إلى الإسلام وأخذ بحجزتها عن سواء النار ، فصلحت حالها وتبدلت أقوالها ، حتى قالت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما قالت له : والله يا رسول الله ، ما كان على الأرض أهل خباء أحب إلى أن يذلوا من أهل خبائك ، وما أصبح اليوم الأرض خباء أحب إلى أن يعزوا من أهل خبائك. أو نحو هذا من القول.
فالحمد لله الذي هدانا برسوله أجمعين ، وإياه سبحانه نسأل أن يميتنا على خير ما هدانا إليه ، لا مبدلين ولا مغيرين.
* * *
__________________
(١) البديهة : أول الأمر والرأى. وميمون نقيبته : أى مسعود الفأل. والألوية : جمع لواء ، وهو العلم.
(٢) الناعى : الذي يأتى بخبر الميت.
(٣) اقنى حياءك : أى حافظى عليه ولا تخرجى عنه.
(٤) المنية : أى الموت. والروع : أى الفزع. والبأس : أى الشجاعة.
(٥) البلابل : أى الأحزان.