وأبطأ عنهم فى عملهم ذلك رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعيف من العمل ويتسللون إلى أهلهم بغير علم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا إذن ، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد له منها يذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ويستأذنه فى اللحوق بحاجته فيأذن له فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة فى الخبر واحتسابا له ، فأنزل الله فى أولئك من المؤمنين : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور : ٦٢]. فنزلت هذه الآية فيمن كان من المسلمين من أهل الحسبة والرغبة فى الحرب والطاعة لله ولرسوله.
ثم قال تبارك وتعالى ، يعنى المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل ويذهبون بغير إذن من النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [النور : ٦٣].
وكانت فى حفر الخندق أحاديث فيها من الله عبرة فى تصديق رسوله وتحقيق نبوته ، عاين ذلك المسلمون. فمنها : أنه اشتد عليهم فى بعض الخندق كدية فشكوها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ، ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية فيقول من حضرها : فو الذي بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب ما ترد فأسا ولا مسحاة.
ودعت عمرة بنت رواحة أم النعمان بن بشير ابنة لها من بشير فأعطتها حفنة من تمر فى ثوبها ثم قالت : أى بنية ، اذهبى إلى ابيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما.
قالت : فأخذتها فانطلقت فمررت برسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا ألتمس أبى وخالى ، فقال : تعالى يا بنية ، ما هذا معك؟ قالت : قلت : يا رسول الله ، هذا تمر بعثتنى به أمى إلى أبى ، بشير بن سعد وخالى عبد الله بن رواحة يتغديانه. قال : هاتيه. قالت : فصببته فى كفى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فما ملأتهما ثم أمر بثوب فبسط له ، ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب ، ثم قال لإنسان عنده : اصرخ فى أهل الخندق : أن هلم إلى الغداء. فاجتمع اهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق وإنه ليسقط من أطراف الثوب!