لو خلوا بينى وبين سائر العرب فإن هم أصابونى كان الذي أرادوا ، وإن أظهرنى الله عليهم دخلوا فى الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ؛ فما تظن قريش؟ فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثنى الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة» (١).
ثم قال : «من رجل يخرج بنا على غير طريقهم؟» (٢) فقال رجل من أسلم : أنا ، فسلك بهم طريقا وعرا أجرل بين شعاب ، فلما خرجوا منه وقد شق عليهم وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادى قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قولوا : نستغفر الله ونتوب إليه». فقالوا ذلك ، فقال : «والله إنها للحطة التي عرضت على بنى إسرائيل فلم يقولوها» (٣).
فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس فقال : «اسلكوا ذات اليمين بين ظهرى الحمص فى طريق تخرج على ثنية المرار (٤)» ، فهبط الحديبية من أسفل مكة. فسلك الجيش ذلك الطريق ، فلما رأت خيل قريش هدة الجيش قد خالفوا عن طريقهم وكفوا راجعين إلى قريش ، وخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى إذا سلك فى ثنية المرار بركت ناقته ، فقال الناس : خلأت. فقال : «ما خلأت ، وما هو لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ، لا تدعونى قريش اليوم إلى خطة يسلون فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها (٥)» ، ثم قال للناس : «انزلوا». قيل : يا رسول الله ، ما بالوادى ماء ننزل عليه. فأخرج صلىاللهعليهوسلم سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه ، فنزل فى قليب من تلك القلب ، فغرزه غى جوفه فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن.
فلما اطمأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتاه بديل بن ورقاء فى رجال من خزاعة فكلموه وسألوه ما الذي جاء له ، فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا وإنما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته ، ثم قال لهم نحوا قال لبسر بن سفيان ، فرجعوا إلى قريش فقالوا : إنكم تعجلون على محمد ، إن محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا لهذا البيت. فاتهموهم وجبهوهم وقالوا : إن كان جاء ولا يريد قتالا فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ولا تحدث بذلك عنا العرب.
ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف أخا بنى عامر بن لؤيّ ، فلما رآه رسول
__________________
(١) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٤ / ٣٢٣) ، كنز العمال للمتقى الهندى (١١٣٠٧) ، تفسير ابن كثير (٧ / ٣٢٨) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٦٥).
(٢) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٦٥).
(٣) انظر الحديث السابق.
(٤) ثنية المرار : حشيشة مرة إذا أكلتها الإبل قلصت مشافرها.
(٥) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٤ / ٣٢٣) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٦٥).