الله؟» قال : بأبى أنت وأمى ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، أما والله هذه فإن فى نفسى منها شيئا حتى الآن. قال له العباس : ويحك ، أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك. قال : فشهد شهادة الحق وأسلم.
قال العباس : قلت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئا. قال : «نعم ، من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن».
فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عباس ، احبسه بمضيق الوادى عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها». قال : فخرجت فحبسته حيث أمرنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن أحبسه (١). فمرت القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال : يا عباس من هذه؟ فأقول : سليم. فيقول : ما لي ولسليم. ثم تمر القبيلة فيقول : من هؤلاء؟ فأقول : مزينة. فيقول : ما لي ولمزينة. حتى نفذت القبائل ما تمر قبيلة إلا سألنى عنها فإذا أخبرته بهم قال : ما لي ولبنى فلان. حتى مر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى كتيبته الخضراء فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد قال : سبحان الله ، يا عباس من هؤلاء؟ قلت : هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى المهاجرين والأنصار. قال : ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة! والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما. قلت يا أبا سفيان إنها النبوة. قال : فنعم إذن. قلت : النجاء إلى قومك. حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن. فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت : اقتلوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طليعة قوم. قال : ويحكم ، لا تغرنكم هذه من أنفسكم ، فإنه قد جاءكم مالا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن. قالوا : قاتلك الله ، وما تغنى عنا دارك؟ قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
ولما انتهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى ذى طوى وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حبرة حمراء ، وإنه ليضع رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى إن عثنونه ليكاد يمس وسط الرحل.
ولما وقف هناك قال أبو قحافة ـ وقد كف بصره ـ لابنة له من أصغر ولده : أى بنية
__________________
(١) سبق تخريجه.