اظهرى بى على أبى قبيس. فأشرفت به عليه ، فقال : أى بنية ما ذا ترين؟ قالت : أرى سوادا مجتمعا قال : تلك الخيل. قالت : وأرى رجلا يسعى بين يدى السواد مقبلا ومدبرا. قال : أى بنية ذلك الوازع الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها. ثم قالت : قد والله انتشر السواد. فقال : قد والله إذن دفعت الخيل فأسرعى بى إلى بيتى. فانحطت به ، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته وفى عنق الجارية طوق من ورق فيلقاها رجل فيقتطعه من عنقها.
قالت : فلما دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة ودخل المسجد أتاه أبو بكر بأبيه يقوده ، فلما رآه صلىاللهعليهوسلم قال : «هلا تركت الشيخ فى بيته حتى أكون أنا آتيه فيه!» فقال أبو بكر : يا رسول الله ، هو أحق أن يمشى إليك من أن تمشى إليه. قال : فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له : «أسلم». فاسلم. ورآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكأن رأسه ثغامة فقال : «غيروا هذا من شعره» (١). ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال : أنشد الله والإسلام طوق أختى. فلم يجبه أحد ، فقال : أى أخية احتسبى طوقك فو الله إن الأمانة اليوم فى الناس لقليل!
وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين فرق جيشه من ذى طوى الزبير بن العوام أن يدخل فى بعض الناس من كدى ، وكان على المجنبة اليسرى ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل فى بعض الناس من كدا ، فذكروا أن سعدا حين وجه داخلا قال : «اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة».
فسمعها رجل من المهاجرين ، قيل : هو عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فقال : يا رسول الله اسمع ما قال سعد ، ما نأمن أن تكون له فى قريش صولة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلى بن أبى طالب : «أدركه فخذ الراية فكن أنت تدخل بها» (٢). ويقال : إنه أمر الزبير بذلك وجعله مكان سعد على الأنصار مع المهاجرين. فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون وغرز بها راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وذكر غير ابن إسحاق أن ضرار بن الخطاب قال ـ يومئذ ـ شعرا استعطف فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم على قريش حين سمع قول سعد ، وهو من أجود شعر قاله :
يا نبى الهدى إليك لحاجى قريش ولات حين لجاء
__________________
(١) ذكره الحاكم فى المستدرك (٣ / ٤٦ ، ٤٧) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ١٧٣ ، ١٧٤).
(٢) انظر الحديث فى : الإصابة لابن حجر (٥ / ٢٥٤) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ١٦٩).