الحد (١) والجد لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها منكم؟» قالوا : عمرو بن عامر وعوف بن عامر. قال : «ذانك الجذعان (٢) لا ينفعان ولا يضران! يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم ثم الق الصّبّاء (٣) على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك».
قال : والله لا أفعل ، إنك قد كبرت وكبر عقلك والله لتطيعننى يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهرى ، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو أرى ، قالوا : أطعناك.
فقال دريد ابن الصمة : هذا يوم لم أشهده ولم يفتنى :
يا ليتنى فيها جذع |
|
أخب فيها وأضع (٤) |
ثم قال مالك للناس : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد.
وبعث مالك بن عوف عيونا من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم فقال : ويلكم ما شأنكم؟ قالوا : رأينا رجالا بيضا على خيل بلق والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فو الله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد.
ولما سمع بهم نبى الله صلىاللهعليهوسلم بعث إليهم عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى وأمره أن يدخل فى الناس ، ويقيم فيهم حتى يعلم علمهم ، ثم يأتيه بخبرهم ، فانطلق ابن أبى حدرد فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وسمع من مالك وأمر هوزان ما هم له ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره الخبر (٥).
__________________
(١) غاب الحد : أى غابت الشجاعة والحدة.
(٢) الجذعان : يريد أنهما ضعيفان بمنزلة الجذع فى سنه.
(٣) الصباء : مفردها صابئ وكانوا يسمون المسلمون صباء.
(٤) يا ليتنى فيها جذع : يتمنى أن يكون فى هذه الحرب شابا لم تحطمه الأيام. وأخب : من الخبب ، وهو ضرب من السير.
(٥) ذكر فى السيرة (٤ / ٧٣) زيادة فى هذا الموضع فقال : «... فأخبره الخبر ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمر بن الخطاب ، فأخبره الخبر فقال عمر : كذب ابن أبى حدرد ، فقال ابن أبى حدرد : إن ـ