الامتناع الذي كان منهم. فقال عروة : يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم. ويقال : من أبصارهم. وكان فيهم كذلك محببا مطاعا.
فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم ، فلما أشرف لهم على علية له وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله ، فقيل له : ما ترى فى دمك؟ قال : كرامة أكرمنى الله بها وشهادة ساقها إلى فليس فى إلا ما فى الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنونى معهم. فزعموا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن مثله فى قومه لكمثل صاحب ياسين فى قومه»(١).
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا ، ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد بايعوا وأسلموا ، فمشى عمرو بن أمية أخو بنى علاج وكان من أدهى العرب إلى عبد ياليل بن عمرو حتى دخل داره وكان قبل مهاجرا له الذي بينهما سيئ ثم أرسل إليه ، أن عمرو بن أمية يقول لك : اخرج إلى فقال عبد ياليل للرسول : ويلك أعمرو أرسلك إلى؟ قال : نعم وها هو ذا واقفا فى دارك. قال : إن هذا لشىء ما كنت أظنه ، لعمرو كان أمنع فى نفسه من ذلك. فخرج إليه فلما رآه رحب به فقال له عمرو : إنه قد نزل بنا ما ليست معه هجرة ، إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت ، وقد أسلمت العرب كلها ، وليست لكم بحربهم طاقة فانتظروا فى أمركم (٢).
فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها وقال بعضهم لبعض : ألا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع؟ فائتمروا بينهم وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجلا كما أرسلوا عروة. فكلموا عبد ياليل وكان سن عروة ، وعرضوا عليه ذلك فأبى أن يفعل وخشى أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة فقال : لست فاعلا حتى ترسلوا معى رجالا. فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بنى مالك فيكونوا ستة ، فبعثوا مع عبد ياليل الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب ، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب. ومن بنى مالك : عثمان بن أبى العاص وأوس بن عوف ونمير بن خرشة.
فخرج بهم عبد ياليل وهو ناب القوم وصاحب أمرهم ، ولم يخرج بهم إلا خشية من
__________________
(١) انظر الحديث فى : مستدرك الحاكم (٣ / ٦١٥ ، ٦١٦) ، تاريخ الطبرى (٢ / ١٧٩) ، دلائل النبوة للبيهقى (٥ / ٢٩٩ ، ٣٠٠) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٩ / ٣٨٦) ، الطبقات الكبرى لابن سعد (١ / ٣١٢).
(٢) انظر : السيرة (٤ / ١٦٤ ـ ١٦٦).