رأى وما هاله من ذلك. فقال الموبذان : وأنا أصلح الله الملك قد رأيت فى هذه الليلة رؤيا. ثم قص عليه رؤيا فى الإبل. فقال : أى شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال : حدث يكون من ناحية العرب. وكان أعلمهم فى أنفسهم.
فكتب عند ذلك كسرى إلى النعمان بن المنذر أن يوجه إليه برجل عالم بما يريد أن يسأله عنه. فوجد إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغسانى. فلما قدم عليه قال له الملك : ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال : ليخبرنى الملك عما أحب ، فإن كان عندى منه علم وإلا أخبرته بمن يعلمه.
فأخبره بالذى وجه إليه فيه. فقال له : علم ذلك عند خال لى يسكن مشارف الشام ، يقال له سطيح. قال : فائته فسله عما سألتك عنه ، ثم ائتنى بتفسيره. فخرج عبد المسيح حتى أتى إلى سطيح وقد أشفى على الموت ، فسلم عليه وكلمه ، فلم يرد عليه سطيح جوابا ، فأنشأ عبد المسيح يقول :
أصم أم يسمع غطريف اليمن |
|
أم فاد فاز لم به شأو العنن |
يا فاصل الخطة أعيت من ومن |
|
أتاك شيخ الحى من آل سنن |
وأمه من آل ذئب بن حجن |
|
أبيض فضفاض الرداء والبدن |
رسول قيل العجم ينمى للوسن |
|
لا يرهب الوغد ولا ريب الزمن |
تجوب بى الأرض علنداة شزن |
|
ترفعنى وجنا وتهوى فيه وجن |
حتى أتى عارى الجاحى والقطن |
|
تلفه فى الريح بوغاء الدمن |
فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول : عبد المسيح ، أتى إلى سطيح ، على جمل مشيح ، وقد أوفى على الضريح ، بعثك ملك بنى ساسان ، لارتجاس الإيوان وخمود النيران ، ورؤيا الموبذان ، رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فى بلادها.
عبد المسيح ، إذا كثرت التلاوة ، وظهر صاحب الهراوة ، وفاض وادى السماوة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت نار فارس ، فليس الشام لسطيح شاما ، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات ، وكل ما هو آت آت.
ثم قضى سطيح مكانه ، فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بمقالة سطيح. فقال : إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا قد كانت أمور. فملك منهم عشرة إلى أربع سنين وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضى الله عنه.