فلما هلك ربيعة بن نصر رجع ملك اليمن كله إلى حسان بن تبان أسعد أبى كرب ، فسار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض الأعاجم حتى إذا كان بأرض العراق كرهت حمير وقبائل اليمن المسير معه وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهلهم ، فكلموا أخا له يقال له عمرو وكان معه فى جيشه فقالوا له : اقتل أخاك حسان ونملكك علينا وترجع بنا إلى بلادنا. فأجابهم.
فاجتمعوا على ذلك إلا ذو رعين الحميرى ، فإنه نهاه عن ذلك ولم يقبل منه. فقال ذو رعين الحميرى :
ألا من يشترى سهرا بنوم |
|
سعيد من يبيت قرير عين |
فإما حمير غدرت وخانت |
|
فمعذرة الإله لذى رعين |
ثم كتبهما فى رقعة وختم عليها ثم أتى بها عمرا فقال له : ضع لى هذا الكتاب عندك. ففعل. ثم قتل عمرو أخاه حسان ورجع بمن معه إلى اليمن (١).
فلما نزل اليمن منع منه النوم وسلط عليه السهر ، فلما جهده ذلك سأل الأطباء والحزاة (٢) من الكهان والعرافين عما به ؛ فقال له قائل منهم : إنه والله ما قتل رجل أخاه أو ذا رحمه بغيا على مثل ما قتلت أخاك عليه إلا ذهب نومه وسلط عليه السهر.
فلما قيل له ذلك جعل يقتل كل من أمره بقتل أخيه حسان من أشراف اليمن حتى خلص إلى ذى رعين. فقال له ذو رعين : إن لى عندك براءة. قال : وما هى؟ قال :الكتاب الذي دفعت إليك.
فأخرجه فإذا فيه البيتان ، فتركه ورأى أنه قد نصحه. وهلك عمرو ، فمرج أمر حمير عند ذلك وتفرقوا ، فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة ، يقال له لخنيعة (٣) ينوف ذو شناتر (٤) ، فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم ، فقال قائل من حمير :
تقتل أبناها وتنفى سراتها |
|
وتبنى بأيديها لها الذل حمير |
__________________
(١) انظر : السيرة (١ / ٤١).
(٢) الحزاة : جمع حاز ، والحازى هو الذي ينظر فى الأعضاء وفى خيلان الوجه يتكهن ، وقال الليث :هو الكاهن.
(٣) لخنيعة : قال ابن دريد : وهو من اللخع ، وهو استرخاء فى الجسم.
(٤) ذو شناتر : الشناتر هو الأصابع بلغة حمير ، واحدها : شنترة.