فلا يعرض له إلا الخير ، ولا لمن تبعه ، ومن أحب منهم أن يلحق بكم لم نمنعه ، يريدون بذلك المهاجرين ، فكرهت الأوس والخزرج.
فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «أجيبوهم يا معشر الأوس والخزرج ، فإن الله بالغ أمره ومنجز وعده» ، فقالوا : تطيب عن نفسك يا رسول الله أن نفعل ذلك؟ قال : «نعم» ، قالوا : فالسمع والطاعة ، وضربوا بينهم أجلا أربعة أشهر ، ثم رجعوا إلى يثرب (٧٥).
فلما افترقوا همت قريش بالغدر فكفى الله تعالى نبيه شرهم ، وخرج من مكة بالوحي الذي أنزل عليه ، خائفا يترقب حتى ورد المدينة عن أمر الله له بذلك. فهذه فضيلة [ثانية].
فلما وصل إليهم صلى الله تعالى عليه وسلم هو وأصحابه المهاجرون معه سمحوا له ولجميع من وصل معه بمشاطرة الأموال ، ومن كان له زوجتان من الأوس والخزرج طلق إحداهما وزوجها بعض المهاجرين (٧٦) ، فأثنى الله تعالى عليهم بذلك فقال : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ)(٧٧)(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر ٥٩ / ٩]. وهذه فضيلة ثالثة.
__________________
(٧٥) يراجع في بيعة العقبة هذه (سيرة ابن هشام ١ / ٤٣٨ ـ ٤٦٧) ، و (السيرة النبوية لابن كثير ٢ / ١٩٢ ـ ٢١٢) و (حدائق الأنوار ومطالع الأسرار ١ / ٣٥٦ ـ ٣٥٩) و (البخاري ١ / ٣٢٨ باب وفود الأنصار إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة وبيعة العقبة).
(٧٦) الصحيح في هذا الخبر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم آخى بين سعد بن الربيع الأنصاري وعبد الرحمن بن عوف الزهري من المهاجرين ، فعرض عليه ابن الربيع أن يناصفه أهله وماله ، فقال عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلني على السوق. والخبر مروي في (البخاري : باب كيف آخى النبي صلىاللهعليهوسلم بين أصحابه ، وفي مواضع أخر) ، كما رواه مسلم وأحمد ويراجع فيه (السيرة النبوية لابن كثير ٢ / ٣٢٧).
(٧٧) خصاصة : حاجة إلى ما يؤثرون به غيرهم على أنفسهم ، وقد صانوا أنفسهم عن شحها أي حرصها على المال وبخلها به فأفلحوا.