لأنّه إلى يوم الصاحب وقرب يوم الظلمة ويوم العجاج والمطر ، وفيه تنتشر كثير من الامّة والشجعان ، لم يكن مثلهم في الأوّلين ولا يأتي كمثلهم في الآخرين ، ينتشرون في الجبال وتكون بين أعينهم نار محرقة [و] من ورائهم نار موقدة ذات زفير وشهيق ، وتكون بين عينيه الأرض كالبساتين المخضرة ، ومن ورائه الأرض القفراء ولا يقدر أحد على الانهزام منه.
ويتراكض جنده كالخيل القوي المسرع ، وأصواتهم يرى كصوت الجنود العظيمة المرتفعة في قلل الجبال ، وهم كالنار المحرقة للقشاش ، وهم مستعدّون للحرب بين يديه كالامّة القوية والشجعان العلية ، وتبتلى الامّة بغضبة وتسودّ به الوجوه ، وأمّة الصاحب يركضون كالشجعان ويعلون الحيطان ، آخذين طريقهم نصب أعينهم ، غير تاركيه يوم يفرّ المرء من أخيه ولا ينجيه ، وتتزلزل به الأراضي وتتحرك به السماوات وتظلم الشمس والقمر. إلى أن يقول : فيصيح الصاحب قبالة جنده لأنّهم كثيرون وهم الشجعان وهم مطيعوه ، فيوم الصاحب يوم عظيم مهول ومن يطيق على ذلك اليوم ، انتهى.
والنصارى يأخذون هذه الآيات برهانا على خاتمية المسيح مع أنّه لم ينقل فيه ظهور صوت ممتاز عنه حين تولّده أو بعثته قط ، وباتّفاق جميع النصارى أنّ أمّته لم تكن كثيرة ولا شجاعة ممتازة ، وكذا جميع ما ذكر من العلامات ، وكما يظهر من الأسفار الإنجيلية أنّ المسيح لم يزل شاردا منهزما من اليهود ومختفيا عنهم في البراري والصحاري ، ولما ظهر من الإشارة إلى اللقلب الصاحب المخصوص بالقائم المهدي عليهالسلام كما هو المبيّن أيضا من العلامات المذكورة والبشارات المسطورة في المقام ؛ فلا يخفى على من له أدنى مسكة انطباقها عليه لا المسيح ، وينادي المنادي مقارنا لظهوره حين طلوع الشمس عند قرصها بصوت جلي يسمعه أهل السماوات والأرضين ، فيعيد نسبه الشريف إلى جدّه الحسين عليهالسلام.
ثمّ المراد بيوم الظلمة ويوم تموّج الهواء والعجاج والمطر والريح ، إشارة إلى إتيانه بعد ظهوره بمدينة ، فيمتحن الناس في الجبت والطاغوت ويأمر الناس بالبراءة منهما ويتوعّد العذاب على من لم يتبرّأ منهما ، فيأبى محبّوهما وشيعتهما ذلك ، فيأمر القائم الريح الأسود فيهلكهم جميعا (١) ، وعدد الامّة وأصحابه يكون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من الأتقياء ،
__________________
(١) مختصر البصائر : ١٨٧ ضمن حديث طويل ومفصّل.