يا نور الله ليست جلالتك بديعة ، بل إنّما هي قديمة ، وتابعوك تفحّصوا عنك في ضيقهم ، وحديثك دينهم وطريقتهم في الشدّة ، وسيقولون في رخائهم : إنّا كنّا في غيبتك كالمرأة الحامل المتحملة لضيق المخاض ووجع الارتياض ، ونقرّ بسوء أعمالنا وإن بسببه وإدبارنا عن العدل أصابنا ما أصابنا ، ولم ينقطع آثار الجبّارين عنّا ، فلو أنا سمعنا ما أقرعت أسماعنا من كلام ربّنا ووعينا لقطعت عنّا أذى الجبّارين من قبل ، ولأدركنا زمان الفرج والراحة ، فما جرعناها من أذاهم ليست إلّا بما كسبت أيدينا ، فإنّا لم نخلص أعمالنا فأخّرنا ظهورك ، فنحن السبب في استتارك. إلى قوله في السيمان السابع والعشرون في الباسوق السابع والعشرون في خطاب شعيا لقومه : يا قوم ادخلوا مساكنكم وأغلقوا عليكم أبوابكم مدّة انقضاء الغضب ، فإنّ هذا نور الله سيظهر لديوان العاصين وقلعهم من الأرض رادا عصيانهم إليهم ، وستظهر الأرض حينئذ دماءها وقتلاها وسينتقم يومئذ نور الله منهم ، أي الجبابرة والقتلة بسيفه القوي الشديد ، وفي العبارة : وينتقم من ليوياتان ، وليوياتان يطلق في اصطلاحهم بالعبري تارة على : بالإجماع والاتّفاق ، وتارة على : التحالف والتواخي في الخدعة والاحتيال ، مأخوذ من ليوتان وهي الآلة الملتفة طرفاها بها تجذب الأشياء من العالي إلى السافل ، محتوية بالعقد وزيادة الاعوجاج ، والمراد انتقامه من هؤلاء ، إلى قوله : وسيطلب نور الله بستانه وحديقة مهره وصداقه إلى باسوق آخر بعده ، وإني أحافظها وأتعوض بها ما غصبته واجتلبته الليوياتان (١).
أقول : فالمنصف لو تأمّل فيما ذكرت من الآيات يرى أنّ ما أخبر به نبيّنا في ولده وقضية ليوياتان صريح في اتّفاقهم وعهدهم ومؤاخاتهم في غصب حقوق آباء الحجّة المنتقم عجّل الله فرجه ، وطلبه البستان والحديقة في فدك التي غصبها وحازها الليوياتان الآخرين صريح في المقصود ، سيما بعد ضميمة ما يظهر من كلام شعيا في السيمان الثاني والثلاثين (٢) من كتاب من أوّل الباسوق إلى آخره ما خلاصته ومحصّله : إنّه يقوم في سلطنته بالعدل ، وأبناء السلاطين أقرب من بحضرته ، ويكون يومئذ يوما يكون فيه ذلك الرجل ـ ولعلّ المراد بالرجل هو الليوياتان ـ كالمنهزم من الطوفان ، ينهزم من مكان إلى مكان مختفيا هاربا من الرعد والبرق وما نزل من الحدثان ، ويكون ذلك السلطان منقذا كالشط الجاري للظامئين في
__________________
(١) كتاب العهد القديم ، كتاب أشعيا : ١٠٣٨ ـ ١٠٣٩ باب ٢٧.
(٢) المصدر السابق : ١٠٤٥ باب ٣٢.