فأخذ دعبل الصرّة والجبة وانصرف ، وسار من مرو في قافلة فلما أتوا ميان (بلد بقرب نيسابور قوهان) وقع عليهم اللصوص وأخذوا القافلة بأسرها وكتّفوا أهلها ، وكان دعبل فيمن كتف ، وملك اللصوص القافلة وجعلوا يقتسمونها بينهم ، فقال رجل من اللصوص متمثّلا بقول دعبل من قصيدة :
أرى فيئهم في غيرهم متقسّما |
|
وأيديهم من فيئهم صفرات |
فسمعه دعبل فقال : لمن هذا البيت؟ قال : لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي. قال دعبل : أنا دعبل بن علي قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت ، فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلّي على رأس تل وكان من الشيعة فأخبره ، فجاء بنفسه حتّى وقف على دعبل فقال له : أنت دعبل؟ فقال : نعم. قال : أنشد القصيدة ، فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة وردّ إليهم جميع ما اخذ منهم لكرامة دعبل.
وسار دعبل حتّى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في مسجد الجامع ، فلما اجتمعوا صعد دعبل المنبر فأنشدهم القصيدة ، فوصله الناس من المال والخلع بشيء كثير واتصل بهم خبر الجبّة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار فامتنع من ذلك ، فقالوا له : بعنا شيئا منها بألف دينار فأبي عليهم ، وسار عن قم فلمّا خرج عن رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبّة منه ، فرجع دعبل إلى قم وسألهم ردّ الجبّة عليه فامتنع الأحداث من ذلك وعصوا المشايخ في أمرها فقالوا لدعبل : لا سبيل لك إلى الجبّة فخذ ثمنها ألف دينار ، فأبى عليهم فلما يئس من ردّهم الجبّة فسألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها فأجابوه إلى ذلك ، فأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار ، وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله ، فباع المائة دينار التي كان الرضا عليهالسلام وصله بها من الشيعة ، كل دينار بمائة درهم فحصل في يده عشرة آلاف درهم ، فتذكّر قول الرضا عليهالسلام إنّك ستحتاج إلى الدنانير.
وكانت له جارية لها من قلبه محل ، فرمدت رمدا عظيما فأدخل أهل الطب عليها فنظروا إليها فقالوا : أمّا العين اليمنى فليس فيها لنا علاج ولا حيلة ، قد ذهبت ، وأمّا اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ولا نرى أن تسلم ، فاغتمّ لذلك غمّا شديدا وجزع عليها جزعا عظيما ، ثمّ إنّه ذكر ما معه من فضلة الجبّة فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة من أوّل الليل