موفقا لا يثبت عليه إلّا مؤمن قد أخذ الله ميثاقه في الذرّ الأوّل. فهل يدلّ هذا إلّا على أنّ الناس يستبعدون مدّة العمر ، ويستطيلون المدى في ظهوره وينكرون تأخّره وييأسون منه ، فيطيرون يمينا وشمالا كما قالوا : تتفرّق بهم المذاهب وتنشعب لهم طرق الفتن ، ويغترّون بلمع السراب من كلام المفتونين ، فإذا ظهر بعد السنّ الذي يوجب مثلها فيمن بلغه الشيخوخة والكبر وحنوّ الظهر وضعف القوى ، شابّا موفقا أنكره من كان في قلبه مرض وثبت عليه من سبقت له من الله الحسنى ، بما وفّقه الله إليه وقدّمه إليه من العلم بحاله وأوصله إلى هذه الروايات من قول الصادقين عليهمالسلام فصدقها وعمل بها ، وتقدّم علمه بما يأتي من أمر الله وتدبيره فارتقبه غير شاكّ ولا مرتاب ولا متحيّر ولا مغترّ بزخارف إبليس وأشياعه؟
والحمد لله الذي جعلنا ممّن أحسن إليه وأنعم عليه ، وأوصله من العلم إلى ما لا يوصل إليه غيره إيجابا للمنّة واختصاصا بالموهبة ، حمدا يكون لنعمه كفاء ولحقه أداء (١).
وفي البحار عن محمد بن الحنفية في حديث : إنّ لبني فلان ملكا مؤجّلا حتّى إذا أمنوا واطمأنوا ، وظنّوا أنّ ملكهم لا يزول صيح فيهم صيحة فلم يبق لهم راع يجمعهم ولا داع يسمعهم وذلك قول الله عزوجل (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢) قلت : جعلت فداك هل لذلك وقت؟ قال : لا ، لأنّ علم الله غلب علم الموقّتين ، إنّ الله وعد موسى ثلاثين ليلة وأتمّها بعشر لم يعلمها موسى ولم يعلمها بنو إسرائيل ، فلمّا جاز الوقت قالوا : غرّنا موسى فعبدوا العجل ، ولكن إذا كثرت الحاجة والفاقة في الناس وأنكر بعضهم بعضا فعند ذلك توقّعوا أمر الله صباحا ومساء (٣).
وفيه عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليهالسلام : أما والله ليغيبنّ إمامكم سنينا من دهركم ، وليمحصن حتّى يقال : مات أو قتل وهلك ، بأيّ واد سلك؟ ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه ولترفعنّ اثنا عشر راية مشتبهة لا يدرى أي من أي. قال : فبكيت ثمّ
__________________
(١) غيبة النعماني : ٢١٢ ح ٢٠ باب ١٢.
(٢) سورة يونس : ٢٤.
(٣) البحار : ٥٢ / ١٠٤ وغيبة الطوسي : ٤٢٧.