بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) (١). وإن قلت : أسلما كرها كان يقصدني بالطعن ؛ إذ لم يكن ثم سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.
قال سعد : فصددت منه مزورا قد انتفخت أحشائي من الغضب ، وتقطّع كبدي من الكرب وكنت قد اتخذت طومارا وأثبتّ فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد عليهالسلام ، فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسرّ من رأى ، فلحقته في بعض المناهل فلمّا تصافحنا قال : بخير لحاقك بي. قلت : الشوق ثمّ العادة في الأسئلة. قال : قد تكافينا هذه اللحظة الواحدة فقد برح بي العزم إلى لقاء مولانا أبي محمد ، واريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل من التنزيل ، فدونكها الصحبة المباركة فإنّها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه وهو إمامنا ، فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيّدنا فاستأذن فخرج الإذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبري فيه ستّون ومائة صرّة من الدنانير والدراهم ، على كلّ صرّة منها ختم صاحبها. قال سعد : فما شبهت مولانا أبا محمد حين غشينا نور وجهه إلّا بدرا قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر وعلى رأسه فرق بيّن وقرطين كأنّه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه فكان مولانا يد حرج الرمانة بين يديه ويشغله بردّها لئلّا يصدّه عن كتبه ما أراد ، فسلّمنا فألطف في الجواب وأومى إلينا بالجلوس ، فلمّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي إلى الغلام وقال له : يا بني فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك.
فقال : يا مولاي أيجوز أن أمدّ يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟ فقال مولاي : يا بن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميّز بين الأحل والأحرم منها ، فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها فقال الغلام : هذه لفلان ابن فلان من محلّة كذا بقم تشتمل
__________________
(١) سورة غافر : ٨٥.