الْماكِرِينَ) (١)
وقد أخفى الله عزوجل حمل أمّه نرجس بنت يشوعا قيصر الروم عن عامّة الناس كما أخفى حمل أمّ موسى عن فرعون وقومه ، مع أنّ الكهنة والمنجّمين قد عيّنوا سنة ولادته إلى أن بعث المعتمد العبّاسي القوابل سرّا وأمرهنّ أن يدخلن دور بني هاشم سيما دار العسكري عليهالسلام بلا استئذان ، وفي أي وقت كان ليفتشن أثره ويتطلعن خبره إلى أن نوّر الكون بقدومه إلى عالم الوجود ، وتولد عجل الله فرجه قبل وفاة أبيه بسنتين ، وقيل بخمس ، في سامراء في منتصف شعبان ، كما في نوحة الأحزان من مؤلفات العالم الفاضل محمد يوسف اللاهخوارماني الذي ألف في زمن شاه عباس الثاني رحمهالله : إنّه كان عليهالسلام يوما من الأيّام في حجر والدته في صحن الدار إذ أحسّت نرجس بالقوابل فاضطربت اضطرابا شديدا ، ولم تجد فرصة حتّى تخفي ذلك النّور ، فهتف هاتف بها أن ألقي حجّة الله القهار في البئر التي في صحن الدار ، فألقته في البئر وقد سمعت القوابل صوت الطفل فدخلن الدار بسرعة فبالغن في التفحّص فلم يجدن منه أثرا فخرجن والهات حائرات ، فلما فرغت الدار عن الأغيار أقبلت نرجس إلى البئر لكي تعلم ما جرى على قرّة عينها ، فلمّا أشرفت على البئر رأت الماء يفور إلى أن ساوى أرض الدار ، وحجّة الله فوق الماء صحيحا سالما كالبدر الطالع ، والقماط (٢) الذي عليه لم يبتل أبدا فتناولته وأرضعته وحمدت الله وسجدت له شكرا فهتف هاتف : أن يا نرجس ألقيه إلى البئر أربعين يوما ، فمتى أردت أن تسترضعيه نوصله إليك ، فكانت كلّما أرادت إرضاعه تأتي إلى شفير البئر فيفور الماء ، وحجّة الله فوقه فتأخذه وترضعه وتقرّ عينها بجماله وترده إلى البئر فينزل الماء إلى قراره ، فبقي عجل الله فرجه في البئر في تلك المدّة كما كان يوسف الصدّيق أيضا كذلك ، وكان مستورا عن أعين الناس (٣).
الرابع عشر : ممّن رآه في حياة أبيه عليهاالسلام : وفيه عن علي بن إبراهيم بن مهزيار الذي كان خادما له عليهالسلام أنّ الحسن العسكري كان يأمرني بإحضار حجّة الله من السرداب ، وأنا أحضره
__________________
(١) سورة آل عمران : ٥٤.
(٢) القماط : خرقة عريضة تلفّ على الصغير إذا شدّ في المهد.
(٣) الأحاديث هذه نقلها المصنّف بالمضمون قد صرّح في أوّل الحديث ، راجع غيبة الشيخ وغيبة النعماني ، وبعض الأحاديث تقدّم ، نعم الحديث الأخير لم أجده.