تخلو من حجّة ، ولا يبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل ، وقد ظهر أيّام خروجي ، فهذه أمانة في رقبتك فحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ (١).
الثاني عشر : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في البحار عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال : كنت حاضرا عند المستجار بمكّة وجماعة زهاء ثلاثين رجلا ، لم يكن منهم مخلص غير محمّد بن القاسم العلوي ، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائتين ؛ إذ خرج علينا شاب من الطواف ، عليه إزاران محرم بهما وفي يده نعلان ، فلمّا رأيناه قمنا جميعا هيبة له ، ولم يبق منّا أحد إلّا قام فسلّم علينا وجلس متوسّطا ونحن حوله ، ثمّ التفت يمينا وشمالا ثمّ قال : أتدرون ما كان يقول أبو عبد الله عليهالسلام في دعائه الإلحاح؟ قلنا : وما كان يقول؟
قال : كان يقول : اللهمّ إنّي أسألك باسمك الذي به تقوم السماء وبه تقوم الأرض وبه تفرّق بين الحقّ والباطل وبه تجمع بين المتفرّق وبه تفرّق بين المجتمع ، وبه أحصيت عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار ، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا ، ثمّ نهض ودخل الطواف فقمنا لقيامه حتّى انصرف ، ونسينا أن نذكر أمره وأن نقول من هو وأي شيء هو إلى الغد في ذلك الوقت ، فخرج علينا من الطواف فقمنا له كقيامنا بالأمس وجلس في مجلسه متوسّطا وتوسّطنا ، فنظر يمينا وشمالا وقال : أتدرون ما كان يقول أمير المؤمنين عليهالسلام بعد صلاة الفريضة؟ فقلنا : وما كان يقول؟
قال : كان يقول إليك رفعت الأصوات ودعيت الدعوة ، ولك عنت الوجوه ، ولك خضعت الرقاب ، وإليك التحاكم في الأعمال ، يا خير من سئل ويا خير من أعطى يا صادق يا بارئ ، يا من لا يخلف الميعاد يا من أمر بالدعاء ووعد بالإجابة يا من قال (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (٢) يا من قال : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (٣) يا من قال : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٤) لبيك وسعديك ، ها أنا ذا بين
__________________
(١) غيبة الشيخ الطوسي : ٢٥٣ فصل ما روي من الأخبار المتضمّنة لمن رآه وهو لا يعرفه.
(٢) سورة غافر : ٦٠.
(٣) سورة البقرة : ١٨٦.
(٤) سورة الزمر : ٥٣.