نزر وجماعة من الخدم والإماء فقالوا : لا تضربنا فو الله لقد رأينا الأمتعة والذخائر تحمل وتوقر بها جمال في الشارع ، ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة إلى أن سارت الجمال وتغلقت الأبواب كما كانت ، فولّى جعفر على رأسه أسفا على ما أخرج من الدار وإنّه بقي يأكل ما كان له معه ويبيع حتّى لم يبق له قوت يوم ، وكان له من الولد أربعة وعشرون ولدا ، بنين وبنات وأمّهات أولاد ، حشم وخدم وغلمان فبلغ به الفقر إلى أن أمر الجدّة وجدّة أمّ أبي محمد أن يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير لدوابه وكسوة أولاده وأمّهاتهم وحشمه وغلمانه ونفقاتهم ، ولقد ظهرت منه أشياء أكثر ممّا وصفناه ، ونسأل الله العصمة والعافية من البلاء في الدنيا والآخرة (١).
المعجزة الخامسة : في البحار عن أحمد الدينوري السراج المكنّى بأبي العبّاس الملقّب باستارة قال : انصرفت من أردبيل إلى دينور واريد أن أحجّ ، وذلك بعد مضيّ أبي محمد الحسن بن علي عليهالسلام بسنة أو سنتين ، وكان الناس في حيرة فاستبشر أهل دينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا : اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي ونحتاج أن نحملها معك وتسلّمها بحيث يجب تسليمها. قال : فقلت : يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت؟ قال : فقالوا : إنّما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك ، فاعمل على أن لا تخرجه من يديك إلّا بحجّة. قال : فحمل إليّ ذلك المال في صرر باسم رجل رجل ، فحملت ذلك المال وخرجت ، فلمّا وافيت قرميسين كان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيما بها فصرت إليه مسلّما ، فلمّا لقيني استبشر بي ثمّ أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب ألوان معكمة لم أعرف ما فيها ثمّ قال لي : احمل هذا معك ولا تخرجه عن يدك إلّا بحجّة. قال : فقبضت المال والتخوت بما فيها من الثياب ، فلمّا وردت بغداد لم يكن لي همّة غير البحث عمّن اشير إليه بالنيابة فقيل لي : إنّ هاهنا رجلا يعرف بالباقطاني يدّعي النيابة وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدّعي النيابة وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدّعي النيابة.
قال : فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخا مهيبا له مروّة ظاهرة وفرس عربي وغلمان كثير ، ويجتمع إليه الناس يتناظرون قال : فدخلت إليه وسلّمت عليه فرحّب وسرّ
__________________
(١) مدينة المعاجز : ٧ / ٥٢٧ ، والهداية الكبرى للخصيبي : ٣٨٢.