وزير أشدّ نصبا منه ، يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيت عليهمالسلام ، ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكل حيلة ، فلمّا كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمّانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوبا عليها : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أبو بكر وعثمان وعمر وعلي خلفاء رسول الله ، فتأمّل الوالي ورأى الكتابة من أصل الرمّانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون صناعة بشر فتعجّب من ذلك وقال للوزير : هذه آية بيّنة وحجّة قويّة على إبطال مذهب الرافضة ، فما رأيك في أهل البحرين؟ فقال له : أصلحك الله إنّ هؤلاء جماعة متعصّبون ينكرون البراهين ، وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمّانة فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك ، وإن أبوا إلّا المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث : إمّا أن يؤدّوا الجزية وهم صاغرون ، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لا محيص لهم عنها ، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم وتأخذ بالغنيمة.
فاستحسن الوالي رأيه وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين ، وأحضرهم وأراهم الرمّانة وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف من القتل والأسر وأخذ الأموال وأخذ الجزية على وجه الصغار كالكفّار ، فتحيّروا في أمرها ولم يقدروا على جواب وتغيّرت وجوههم فارتعدت فرائصهم فقال كبراؤهم : أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلّنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلّا فاحكم فينا ما شئت ، فأمهلهم فخرجوا من عنده خاشعين مرعوبين متحيّرين ، فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك فاتفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهّادهم عشرة ، ففعلوا ثمّ اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم : اخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها واستغث بإمام زماننا وحجّة الله علينا لعلّه يبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء ، فخرج وبات طول ليلته متعبّدا خاشعا داعيا باكيا يدعو الله ويستغيث بالإمام عجل الله فرجه حتّى أصبح ولم ير شيئا ، فأتاهم وأخبرهم. فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم ، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخير.
فازداد قلقهم وجزعهم فأحضروا الثالث وكان تقيّا فاضلا اسمه محمد بن عيسى فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس إلى الصحراء ، وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى وتوسّل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم ، واستغاث بصاحب الزمان ، فلمّا كان آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه ويقول : يا محمّد بن عيسى ما لي أراك على هذه الحالة