الشهر حتى يفقههم (١) ، وكان إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم ، ويتكلم بكلام يردعهم ، ويقول : ملاك أمركم الدين ، ووصلتكم الوفاء ، وزينتكم العلم ، وسلامتكم الحلم وطولكم المعروف. إن الله كلفكم الوسع ، اتّقوا الله ما استطعتم (٢). قال : فقام أعرابي فقال : من أشعر الناس أيها الأمير؟ قال : أفي إثر العظة؟ قل يا أبا الأسود قال : فقال أبو الأسود الدؤلي : أشعر الناس الذي يقول :
فإنّك كالليل الذي هو مدركي |
|
وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع (٣) |
قال : هذا لنابغة بني ذبيان.
فكان الرجل يأتي مجلس عبد الله بن عباس وقد انتعل القوم ، فيخلع نعليه ، فيقول له الرجل لا يحبسك مكاني يا أبا العباس ، فيقول : ما أنا بقائم حتى أحدثك وتحدثني فأسمع منك.
قال محمد بن سلام : سعى ساع إلى ابن عباس برجل فقال : إن شئت نظرنا فيما قلت ، فإن كنت كاذبا عاقبناك ، وإن كنت صادقا مقتناك ، وإن أحببت أقلناك. قال : هذه.
قال أبو محمد بن قتيبة في حديث علي :
إنه كتب إلى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ (٤) : إني أشركتك في أمانتي (٥) [وجعلتك شعاري وبطانتي](٦) ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي (٧). فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب (٨) ، والعدوّ قد حرب [وأمانة الناس قد خزيت وهذه الأمة قد فنكت وشغرت](٩) قلبت لابن عمك ظهر المجنّ بفراقه مع المفارقين وخذلانه مع
__________________
(١) في أنساب الأشراف : ويحدثهم ويفقههم.
(٢) إلى هنا الخبر رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٤ / ٦٩.
(٣) البيت للنابغة الذبياني وهو في ديوانه ص ٥٢ من قصيدة يعتذر إلى النعمان بن المنذر مطلعها :
عفا حسم من فرتنا فالفوارع |
|
فجنبا أريك فالتلاع الدوافع |
(٤) الكتاب رقم ٤١ إلى بعض عماله ، انظر نهج البلاغة ص ٥٨١.
(٥) أي جعلتك شريكا فيما قمت فيه من الأمر.
(٦) الزيادة بين معكوفتين عن نهج البلاغة.
(٧) زيد في نهج البلاغة بعدها : لمواساتي ومؤازرتي وأداء الأمانة لي.
(٨) كلب كفرح : اشتد وخشن.
(٩) الزيادة بين معكوفتين عن نهج البلاغة.