أنام الله عين أمير المؤمنين؟ قال : فكرت بالعشق ممّ هو؟ فلم أقف عليه ، فصفه لي حتى أخاله جسما. قال الأصمعي : لا والله ما كان عندي قبل ذلك منه شيء ، فأطرقت مليا ثم قلت : نعم يا سيدي ، إذا توافقت الأخلاق المشاكلة ، وتمازجت الأرواح المتشابهة ألفيت لمح نور ساطع يستضيء به العقل ، وتنير لإشراقه طباع الجناة ، ويتصور من ذلك النور خلق في (١) النفس منصبا نحو [جواهرها](٢) يسمى العشق. فقال : أحسنت والله ، يا غلام ، أعطه ، وأعطه ، وأعطه ، فأعطيت ثلاثين ألف درهم.
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي (٣) :
دخلت على أمير المؤمنين الرشيد يوما ، فقال : أنشدني من شعرك ، فأنشدته :
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري |
|
فذلك شيء ما إليه سبيل |
أرس الناس خلّان الجواد (٤) ولا أرى |
|
بخيلا له في العالمين (٥) خليل |
ومن خير حالات الفتى لو علمته |
|
إذا نال خيرا أن يكون ينيل |
عطائي عطاء المكثرين تكرّما (٦) |
|
ومالي كما قد تعلمين قليل |
وإني رأيت البخل يزري بأهله |
|
ويحقر يوما أن يقال بخيل (٧) |
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى |
|
ورأي أمير المؤمنين جميل؟ |
فقال : لا كيف ، إن شاء الله ، يا فضل ، أعطه مائة ألف درهم ، لله در أبيات تأتينا بها ، ما أحسن فصولها ، وأثبت أصولها (٨) ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، كلامك أجود من شعري ، قال :
__________________
(١) استدركت اللفظة عن هامش الأصل.
(٢) بياض بالأصل ، واستدركت اللفظة عن مختصر ابن منظور المطبوع وهي فيه مستدركة أيضا.
(٣) الخبر والأبيات في تاريخ بغداد ١٤ / ١٠ ـ ١١ من طريق التنوخي والجوهري قالا : أخبرنا محمد بن عمران المرزباني حدثنا علي بن سليمان الأخفش قال قال محمد بن حبيب حدثنا أبو عكرمة عامر بن عمران الضبي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، وذكره والأبيات في تاريخ الخلفاء ص ٣٥٢ والخبر والأبيات في الأغاني ٥ / ٣٢٢ وآمالي القالي ١ / ٣١.
(٤) الأغاني : الكرام.
(٥) الأغاني : حتى الممات ، بدلا من في العالمين.
(٦) صدره في الأغاني : فعالي فعال المكثرين تجملا.
(٧) عجزه في الأغاني : فأكرمت نفسي أن يقال بخيل.
(٨) في الأغاني : وأقل فضولها.