فقال الرشيد : أول ما يجب أن ندفع إليك ديتك ، إذ نزل بك هذا الروع وبعيالك منا ، فأمر له بعشرة آلاف درهم ، وصرفه.
دخل (١) العباس بن الأحنف على هارون الرشيد فقال له هارون : أنشدني أرق بيت قالته العرب ، فقال : قد أكثر الناس في بيت جميل حيث يقول (٢) :
ألا ليتني أعمى أصم تقودني |
|
بثينة لا يخفى علي كلامها |
فقال له هارون : أنت أرق منه حيث تقول (٣) :
طاف الهوى في عباد الله كلهم |
|
حتى إذا مر بي من بينهم وقفا |
قال العباس : أنت يا أمير المؤمنين أرق قولا مني ومنه حيث تقول (٤) :
أما يكفيك أنك تملكيني |
|
وأن الناس كلّهم عبيدي |
وأنك لو قطعت يدي ورجلي |
|
لقلت من الهوى أحسنت زيدي |
فأعجب بقوله وضحك.
قال ابن المبارك :
عشق هارون جارية ، فأرادها ، فذكرت أن أباه كان مسها ، فشغف بها هارون حتى قال :
أرى ماء وبي عطش شديد |
|
ولكن لا سبيل إلى الورود |
أما يكفيك أنك تملكيني |
|
وأن الناس كلّهم عبيدي |
وأنك لو قطعت يدي ورجلي |
|
لقلت من الرضى أحسنت زيدي |
قال : فسأل أبا يوسف عنها ، فقال : أوكلما قالت جارية تصدّق؟ قال ابن المبارك : فلا أدري ممن أعجب! من أمير المؤمنين حين رغب عنها ، أو منها حين رغبت عن أمير المؤمنين ، أو من أبي يوسف حين أمره بالهجم (٥) عليها.
__________________
(١) الخبر والأبيات في تاريخ بغداد ١٤ / ١١ ـ ١٢ من طريق أبي الطيب الطبري حدثنا المعافى بن زكريا حدثنا الحسين ابن القاسم الكوكبي حدثنا محمد بن القاسم الضرير ، قال قال الأصمعي ، وذكره والبداية والنهاية ١٠ / ٢٣٨.
(٢) ليس البيت في ديوانه المطبوع.
(٣) البيت في ديوان العباس بن الأحنف ص ١٨٢.
(٤) البيتان في تاريخ بغداد ١٤ / ١٢ والبداية والنهاية ١٠ / ٢٣٨.
(٥) كذا في مختصر ابن منظور ، وهجم عليه : دخل بغير إذن أو دخل بغير إذن ، هجم عليه هجوما. وهجم فلانا يهجمه هجما ساقه وطرده ، والهجم : السوق الشديد (تاج العروس : هجم).