قال إبراهيم الموصلي (١) :
قال لي غلامي : بالباب رجل حائك يستأذن ، فقلت : ما لي ولحائك؟ قال : لا أدري غير أنه حلف بالطلاق لا ينصرف حتى يكلمك بحاجته ، قال : فأذنت له ، فدخل ، فقلت : ما حاجتك؟ قال : أنا رجل حائك ، وكان عندي بالأمس جماعة فتذاكرنا الغناء والمتقدمين فيه ، فأجمع من حضر أنك رأس القوم وبندارهم (٢) وسيدهم في هذه الصناعة ، فحلفت بطلاق ابنة عمي وأعز الخلق علي ـ ثقة مني بكرمك ـ على أن تشرب عندي غدا ، وتغنيني ، فإن رأيت ـ جعلني الله فداك ـ أن تمنّ على عبدك بذلك فعلت ، فقلت له : أين منزلك؟ قال : في دور الصحابة ، قلت : فصف للغلام موضعه وانصرف ، فإن رائح إليك ، فوصف للغلام. فلما صليت الظهر ركبت ، وأمرت الغلام أن يحمل معه قنينة وقدحا ومصلى وخريطة العود ، وصرت إلى منزله ، ودخلت فقام إلي الحاكة فقبّلوا أطرافي ، وعرضوا علي الطعام ، فقلت : قد تقدمت في الأكل ، فشربت من نبيذي ، وتناولت العود ، فقلت : اقترح علي ، فقال : غنّني بحياتي :
يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت |
|
نسيبه والطرّاق يكذب قيلها |
فغنيت ، فقال : أحسنت جعلني الله فداك ، ثم قلت : اقترح ، فقال : غنني بحياتي :
وخطّا بأطراف الأسنة مضجعي |
|
وردّا على عينيّ فضل ردائيا |
فغنيت ، فقال : أحسنت جعلني الله فداك ، ثم شربت وقلت : اقترح ، فقال : غنني بحياتي :
أحقا عباد الله أن لست واردا |
|
ولا صادرا إلا علي رقيب؟ |
فقلت : يا ابن اللخناء ، أنت بابن سريج (٣) أشبه منك بالحاكة ، فغنيته ، ثم قلت : والله إن عدت ثانية حلت امرأتك لغلامي قبل أن تحل لك ، ثم انصرفت ، وجاء رسول أمير المؤمنين الشريد [يطلبني](٤) فمضيت إليه من فوري ، فقال : أين كنت؟ قلت : ولي الأمان؟ قال : ولك
__________________
(١) الخبر والأبيات في تاريخ بغداد ٦ / ١٧٦ ـ ١٧٧ في ترجمة إبراهيم بن ماهان بن بهمن ، أبي إسحاق المعروف بالموصلي ، من طريق علي بن عبد العزيز الطاهري بسنده إلى إسحاق بن إبراهيم عن أبيه ، وذكره.
(٢) البندار معناه الحافظ ، والبندار : من يكون مكثرا من شيء فيشتريه منه من هو دون ، ثم يبيعه (تاج العروس : بندر).
(٣) بالأصل : شريح ، تصحيف ، والصواب ما أثبت عن تاريخ بغداد ، وهو عبيد بن سريج ، المغني ، انظر أخباره في الأغاني ١ / ٢٤٨ وما بعدها.
(٤) زيادة عن تاريخ بغداد.