الأمان ، فحدثته ، فضحك وقال : هذا أنبل حائك على ظهر الأرض ، وو الله لقد كرمت في أمره ، وأحسنت إجابته ، وبعث إلى الحائك ، فاستنطقه ، وساءله فاستطابه ، واستظرفه ، وأمر له بثلاثين ألف درهم.
كتب هارون الرشيد إلى جارية له كان يحبها وكانت تبغضه :
إن التي عذبت نفسي بما قدرت |
|
كل العذاب فما أبقت ولا تركت |
مازحتها فبكت واستعبرت جزعا |
|
عني فلما رأتني باكيا ضحكت |
فعدت أضحك مسرورا بضحكتها |
|
حتى إذا ما رأتني ضاحكا فبكت |
تبغي خلافي كما خبّت (١) براكبها |
|
يوما قلوص (٢) فلما حثها بركت |
كأنها درة قد كنت أذخرها |
|
ليوم عسر فلما رمتها هلكت |
وأنشدوا هذه الأبيات لذؤيب.
قال الأصمعي (٣) :
ما رأيت أثر النبيذ في وجه الرشيد قط إلا مرة واحدة : فإني دخلت عليه أنا وأبو حفص (٤) الشطرنجي ، فرأيته خاثرا (٥) ، فقال لنا : استبقا إلى بيت ، بل إلى أبيات ، فمن أصاب ما في نفسي فله عشرة آلاف درهم.
وفي رواية قال : كان الرشيد يهوى عنان جارية الناطفي (٦) ، وكانت صيانته لنفسه تمنعه
__________________
(١) خبت ، من الخبب ، ضرب من السير.
(٢) القلوص : الناقة الشابة.
(٣) الخبر في الأغاني ٢٣ / ٨٩ ـ ٩٠ ضمن أخبار عنان ، والخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٩ ـ ١٠ من طريق أحمد بن عبد الواحد الدمشقي أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان القسملي أخبرنا عبد الله بن أحمد بن ربيعة القاضي حدثنا أحمد بن عبيد حدثنا الأصمعي ، وذكره. والخبر والأبيات في الإماء الشواعر ص ٤٢.
(٤) في مختصر ابن منظور المطبوع : أبو جعفر ، والمثبت يوافق ما جاء في الأغاني ٢٢ / ٤٤ وفيها أبو حفص الشطرنجي : عمر بن عبد العزيز مولى بني العباس. والأغاني ٢٣ / ٨٩. وفي تاريخ بغداد : ابن أبي حفص الشطرنجي.
(٥) يقال هو خاثر النفس أي ثقيلها غير طيب ولا نشيط. والتخثر هو غيثان النفس (انظر اللسان) وفي الأغاني : فرأيت التختر في وجهه.
(٦) عنان مولدة من مولدات اليمامة ، وبها نشأت وتأدبت ، ثم اشتراها النطاف. انظر أخبارها في الإماء الشواعر ص ٢٣ والأغاني ٢٣ / ٨٤ ونهاية الأرب ٥ / ٧٨.