منها. قال الأصمعي : فما رأيته قط مبتذلا إلا مرة ، فإني دخلت إليه ، وفي وجهه تخثّر ، وعنده أبو حفص (١) الشطرنجي ، فقال لنا : استبقوا ، فمن أصاب ما في نفسي فله عشرة آلاف درهم ، فوقع في نفسي أنه يريد عنان ـ فقال أبو حفص (٢) الشطرنجي بجرأة العميان :
مجلس ينسب (٣) السرور إليه |
|
لمحب ريحانه ذكراك |
فقال : أحسنت ، يا فضل ، أعطه عشرة آلاف درهم ، ثم قال : قد حضرني بيت ثان ، قال : هات ، فأنشد :
كلما دارت الزجاجة زادت |
|
ه حنينا (٤) ولوعة فبكاك |
قال : أحسنت ، يا فضل ، أعطه عشرة آلاف درهم. قال الأصمعي : فنزل بي ما لم ينزل بي قط مثله ، إن ابن أبي حفص يرجع بعشرين ألف درهم وبفخر ذلك المجلس ، وأرجع صفرا منهما جميعا ، ثم حضرني بيت ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، قد حضرني ثالث ، قال : هاته ، فأنشأت أقول :
لم ينلك المنى بأن تحضريني (٥) |
|
وتجافت أمنيّتي عن سواك |
فقال : أحسنت ، يا فضل ، أعطه عشرين ألف درهم ، ثم قال هارون : قد حضرني رابع ، فقلنا : إن رأى أمير المؤمنين أن ينشده فعل ، فأنشأ يقول :
فتمنيت أن يغشيني الل |
|
ه نعاسا لعل عيني تراك |
فقلنا : يا أمير المؤمنين ، أنت أشعر منا ، فجوائزنا لأمير المؤمنين ، فقال : جوائزكما لكما ، وانصرفا.
قال أبو هفّان (٦) :
__________________
(١) في مختصر ابن منظور : أبو جعفر.
(٢) في مختصر ابن منظور : «فقال أبو جعفر بن أبي حفص» وفي تاريخ بغداد ، فقال ابن أبي حفص. والمثبت : «فقال أبو حفص» عن الأغاني ٢٣ / ٩٠ والإماء الشواعر ص ٤٢.
(٣) في تاريخ بغداد : بألف ، والبيت ليس في الأغاني ، ومكانه في الإماء الشواعر :
من لقب متيم بك صب |
|
ماله همة سوى ذكراك |
(٤) في الأغاني : اشتياقا وحرقة فبكاك. وليس البيت في الإماء الشواعر.
(٥) صدره في الإماء الشواعر : لم ينلك الرجاء أن تحضريني.
(٦) الخبر والأبيات في الأغاني ١٠ / ١٧٢ ـ ١٧٣ في أخبار علية بنت المهدي ، رواه أبو الفرج من طريق علي بن صالح ابن الهيثم وإسماعيل بن يونس قالا : حدثنا أبو هفان ، وذكره.