وكان إبراهيم ، عليه السلام ، قد جعله على كلّ شيء له ، وسكنها الروم بعد ذلك ، وقال غير هؤلاء : سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان وهو الذي بناها ، وكان معه إبراهيم ، كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجّى الله تعالى إبراهيم من النار ، وقال آخرون : سميت بدمشق بن إرم بن سام بن نوح ، عليه السلام ، وهو أخو فلسطين وأيلياء وحمص والأردنّ ، وبنى كلّ واحد موضعا فسمي به ، وقال أهل الثقة من أهل السير : إن آدم ، عليه السلام ، تكان ينزل في موضع يعرف الآن ببيت انات وحوّاء في بيت لهيا وهابيل في مقرى ، وكان صاحب غنم ، وقابيل في قنينة ، وكان صاحب زرع ، وهذه المواضع حول دمشق ، وكان في الموضع الذي يعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظيمة يوضع عليها القربان فما يقبل منه تنزل نار تحرقه وما لا يقبل بقي على حاله ، فكان هابيل قد جاء بكبش سمين من غنمه فوضعه على الصخرة فنزلت النار فأحرقته ، وجاء قابيل بحنطة من غلّته فوضعها على الصخرة فبقيت على حالها ، فحسد قابيل أخاه وتبعه إلى الجبل المعروف بقاسيون المشرف على بقعة دمشق وأراد قتله ، فلم يدر كيف يصنع فأتاه إبليس فأخذ حجرا وجعل يضرب به رأسه فلما رآه أخذ حجرا فضرب به رأس أخيه فقتله على جبل قاسيون ، وأنا رأيت هناك حجرا عليه شيء كالدم يزعم أهل الشام أنه الحجر الذي قتله به ، وأن ذلك الاحمرار الذي عليه أثر دم هابيل ، وبين يديه مغارة تزار حسنة يقال لها مغارة الدم ، لذلك رأيتها في لحف الجبل الذي يعرف بجبل قاسيون.
وقد روى بعض الأوائل أن مكان دمشق كان دارا لنوح ، عليه السلام ، ومنشأ خشب السفينة من جبل لبنان وأنّ ركوبه في السفينة كان من عين الجرّ من ناحية البقاع ، وقد روي عن كعب الأحبار : أن أوّل حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط دمشق وحرّان ، وفي الأخبار القديمة عن شيوخ دمشق الأوائل : أن دار شدّاد بن عاد بدمشق في سوق التين يفتح بابها شأما إلى الطريق وأنه كان يزرع له الريحان والورد وغير ذلك فوق الأعمدة بين القنطرتين قنطرة دار بطّيخ وقنطرة سوق التين ، وكانت يومئذ سقيفة فوق العمد ، وقال أحمد بن الطيب السرخسي : بين بغداد ودمشق مائتان وثلاثون فرسخا.
وقالوا في قول الله عز وجل : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) ، قال : هي دمشق ذات قرار وذات رخاء من العيش وسعة ومعين كثيرة الماء ، وقال قتادة في قول الله عز وجل والتين قال : الجبل الذي عليه دمشق ، والزيتون : الجبل الذي عليه بيت المقدس ، وطور سينين : شعب حسن ، وهذا البلد الأمين : مكة ، وقيل : إرم ذات العماد دمشق ، وقال الأصمعي : جنان الدنيا ثلاث : غوطة دمشق ونهر بلخ ونهر الأبلّة ، وحشوش الدنيا ثلاثة : الأبلّة وسيراف وعمان ، وقال أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر الأديب : جنان الدنيا أربع : غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان وجزيرة الأبلّة ، وقد رأيتها كلها وأفضلها دمشق ، وفي الأخبار : أنّ إبراهيم ، عليه السلام ، ولد في غوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل قاسيون ، وعن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : إنّ عيسى ، عليه السلام ، ينزل عند المنارة البيضاء من شرقي دمشق ، ويقال : إنّ المواضع الشريفة بدمشق التي يستجاب فيها الدعاء مغارة الدم في جبل قاسيون ،