وذهب الأخفش بعيدا ، إذ أعرب «أى» اسم موصول وجعل الناس خبرا لمبتدأ محذوف ، والجملة صلة ، والتقدير يا من هم الناس (١). وكان يذهب إلى أن مذ ومنذ فى مثل مذ يوم الخميس برفع يوم ومنذ يومان ظرفان وهما خبران لما بعدهما والجمهور على أنهما مبتدآن وما بعدهما خبر (٢). وكان يرى أن ضمة غير فى مثل «ليس غير» ليست ضمة بناء ، وإنما هى ضمة إعراب ، وكان يعربها اسم ليس والخبر محذوف (٣).
ومن المؤكد أن كثيرا من الصور النحوية فى التعبيرات والصيغ أثارها الأخفش لأول مرة ، ونضرب لذلك مثلا ما ذهب إليه النحاة من أن الأفعال المؤثرة إذا وقعت من الفاعل بنفسه لم يجز أن تتعدى إلى ضميره ، فلا يقال كلمتنى أى كلمت نفسى ولا كلمتك أى كلمت أنت نفسك. وإنما لم يجز ذلك لأن هذه الأفعال المتعدية إنما تقع على غير المتكلم وأما أفعال الإنسان بنفسه فالأصل أن لا تتعدى مثل قام وذهب وخرج وانطلق. واستثنى النحاة من هذه القاعدة باب ظن والفعلين : فقد وعدم ، إذ جاء عن العرب ظننتنى وفقدتنى وعدمتنى ، واستثنى النحاة أيضا فعل ضرب ، تقول : ما ضربنى إلا أنا. وهذا الاستثناء جعل الأخفش يثير صورتين من التعبير فى باب الاشتغال لبيان حق المشغول عنه من النصب والرفع ، وهما : «أزيدا لم يضربه إلا هو» و «أزيد لم يضرب إلا إياه» وحاول أن يضع قاعدة عامة بها ننصب ونرفع ، وهى أننا نحمل المشغول عنه على الضمير الذى يمكن أن نستغنى عنه بذكره ، أما فى المثال الأول فإننا لو جعلنا زيدا مكان الهاء فى قولك «أزيدا لم يضرب إلا هو» استقام الكلام لأن ضمير الفاعل ضمير منفصل ، فكأننا قلنا «أزيد لم يضرب إلا عمرا» ولو حملناه على الضمير المتصل فرفعناه صار تقدير العبارة «أزيد لم يضربه» وهى عبارة فاسدة. وبالمثل «أزيد لم يضرب إلا إياه» ينبغى رفع زيد حملا على ضميره الذى فى يضرب ، لأننا إذا قلنا «ألم يضرب زيد إلا إياه» استقام الكلام ، ولو نصبنا زيدا حملا على إياه ، فقلنا «أزيدا لم يضرب إلا إياه» ثم حذفنا
__________________
(١) المغنى ص ٤٧٠.
(٢) المغنى ص ٣٧٣.
(٣) المغنى ص ١٧٠.