الضمير الذى حملنا زيدا عليه صار التقدير «أزيدا لم يضرب» اضطرب الكلام ولم يحصل المراد منه (١). وتحليل الأخفش لهاتين العبارتين هو الذى ألهم ابن مضاء أن يضع قاعدة عامة لباب الاشتغال تريح الناشئة من معرفة الأحكام المعقدة فى نصب المشغول عنه ورفعه ، وهى تتلخص فى أن الاسم المتقدم إذا عاد عليه ضمير منصوب أو ضمير متصل بمنصوب كان حقه النصب ، وإن عاد عليه ضمير مرفوع أو متصل بمرفوع كان حقه الرفع (٢).
ونستطيع أن نلاحظ من كل ما تقدم أن عقل الأخفش كان عقلا خصبا أمدّه بما لا يكاد يحصى من الآراء الجديدة التى خالف فيها ما سجله سيبويه فى كتابه ، وقد فسح للقياس على الأشعار الشاذة التى لا تطّرد مع قوانين أستاذه النحوية ، كما فسح للقراءات واحتجّ بها مهما خالفت قواعد النحو القياسية عند سيبويه. وعلى نحو ما كان يخالف سيبويه فى كثير من مسائل النحو كان يخالفه فى كثير من مسائل الصرف ، من ذلك أن الجمهور كان يمنع اشتقاق صيغة التعجب من غير الفعل الثلاثى ، وجوزها الأخفش من كل فعل مزيد مثل ما أتقنه وما أخطأه ، كما جوّزها من العاهات ، وتبعه فى ذلك الكسائى مثل ما أعوره (٣). والقياس فى جمع مثل فرزدق حذف الرابع فيقال فرازق ، وكان الأخفش ـ وتبعه الكوفيون ـ يجيز حذف الحرف الثالث ، فيقال فى فرزدق فرادق (٤). وكان سيبويه يذهب فى نسب فعولة مثل حمولة إلى حذف التاء والواو فيقال حملىّ ، وذهب الأخفش إلى النسب إليه على لفظه فيقال حمولى ، لما سمع عن العرب من نسبتهم إلى أزد شنوءة شنوئى (٥). وكان سيبويه ينسب إلى مثل بنت بنوىّ كالنسب إلى مذكرها وهو ابن ، وكان الأخفش يحذف التاء ويبقى ما قبلها على سكونه وما قبل الساكن على حركته ، فيقول فى بنت «بنوى» بكسر الباء وسكون النون (٦). وكان سيبويه ينسب إلى شاه شاهى بإبقاء الألف
__________________
(١) انظر شرح السيرافى على سيبويه (مخطوطة دار الكتب المصرية) المجلد الأول الورقة ٤٢٦ وما بعدها.
(٢) راجع كتاب الرد على النحاة لابن مضاء القرطبى (نشر دار الفكر العربى) ص ٣٠.
(٣) الهمع ٢ / ١٦٦.
(٤) الهمع ٢ / ١٨١.
(٥) الهمع ٢ / ١٩٥.
(٦) الهمع ٢ / ١٩٧.