سيبويه ، غير أنه لزم الأخفش وأخذ عنه كل ما عنده. ويزعم بعض الرواة أنه هو وزميله المازنى خشيا بعد وفاة سيبويه وحمل الأخفش لكتابه أن يدعيه لنفسه ، وكان الجرمى موسرا ، فعرض عليه شيئا من المال ليقرأ هو وصاحبه عليه الكتاب ، وأجابه إلى طلبه ، فأخذا الكتاب عنه وأشاعاه فى الناس. ويقول المبرد : عليه قرأت جماعة النحاة. ويذكر أنه قدم أصبهان مع فيض بن محمد عند منصرفه من الحج ، فأعطاه يوم مقدمه عشرين ألف درهم ، وكان يعطيه كل سنة اثنى عشر ألفا. ونزل بغداد فى أوائل العقد الأول من القرن الثانى للهجرة ، واختلف إليه الطلاب يحاضرهم فى كتاب سيبويه ويملى عليهم بعض مصنفاته ، وظل بها إلى وفاته سنة ٢٢٥ للهجرة. وله فى النحو والصرف كتب مختلفة ، من أهمها كتاب المختصر فى النحو وكتاب الأبنية ، وصنّف فى العروض. وعنى بكتاب سيبويه ، فألف فى غريبه كتابا ، وألف فى شواهده الشعرية كتابا آخر نسب فيه الشواهد التى فاتت سيبويه نسبتها فى الكتاب إلى أصحابها ما عدا خمسين شاهدا لم يقف على قائليها. وكان علماء النحو فى عصره وبعده عصره يتداولون كتبه ، وشرحوا كتابه المختصر مرارا.
وكان الجرمىّ لسنا قوى الحجة ، عالى الصوت فى مناظرته ، ولذلك سمى النّبّاج أى شديد الصياح ، ويقال إنه تعرض للأصمعى فسأله كيف تصغّر مختارا ، فقال الأصمعى مخيتير ، فقال له الجرمى : أخطأت ، إنما هو ، مخيّر لأن التاء فيه زائدة. وحين نزل بغداد ناظر الفرّاء مناظرة دوّت شهرتها فى الأوساط النحوية ، وكان موضوعها ما يراه سيبويه من أن العامل فى المبتدأ هو الابتداء وما يراه الفراء وغيره من الكوفيين من أن العامل فى المبتدأ هو الخبر ، والمناظرة مروية على هذه الصورة (١) :
«اجتمع أبو عمر الجرمى وأبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ، فقال الفراء للجرمى : أخبرنى عن قولهم : زيد منطلق لم رفعوا زيدا؟ فقال له الجرمى : بالابتداء ،
__________________
(١) راجع فى هذه المناظرة نزهة الألباء ص ١٤٥ وهامش إنباه الرواة ٢ / ٨٣.