وإذا أخذنا نبحث فى الأصول التى كان يرجع إليها المبرد فى نثر آرائه النحوية والصرفية وجدناها نفس الأصول التى اعتمد عليها أئمة مدرسته من قبله ، فهو يعنى بالتعريف وبالعوامل والمعمولات وبالسماع والتعليل والقياس. أما التعريف فإنه يسوقه فى فاتحة كل باب من أبواب كتابه المقتضب ، من ذلك حده للاسم فى أوله وبيان العلامة التى تدل عليه ، يقول : «الاسم ما كان واقعا على معنى نحو رجل وفرس وزيد وعمرو وما أشبه ذلك ، ويعتبر الاسم بواحده ، وكل ما دخل عليه حرف من حروف الخفض فهو اسم ، فإن امتنع من ذلك فليس باسم».
ونجد له بعض آراء متناثرة فى العوامل ، من ذلك أنه ذهب فى أحد رأيين له فى نصب المستثنى فى مثل «قام القوم إلا زيدا» إلى أن «إلا» هى عاملة النصب فيه ، وذهب فى الرأى الثانى إلى أن العامل فعل أستثنى المفهوم من الكلام ، وكان سيبويه يرى أنه معمول للفعل السابق له المتعدى إليه بواسطة إلا (١). وكان يذهب إلى أن العامل فى النعت المنعوت وفى عطف البيان متبوعه وفى التوكيد المؤكد ، فكل متبوع ينصبّ على تابعه انصبابا (٢). وكان سيبويه يذهب إلى أن الواو التى يجرّ بعدها المبتدأ المنكر فى مثل :
وليل كموج البحر أرخى سدوله |
|
علىّ بأنواع الهموم ليبتلى |
إنما هى واو عطف ، والمبتدأ المنكر بعدها مثل «ليل» فى البيت مجرور برب المحذوفة ، ومن هنا سمّيت هذه الواو واو رب. وذهب المبرد إلى أنها ليست عاطفة ، بل هى حرف جر ، واحتج بأن الشعراء يفتتحون بها أحيانا قصائدهم كقول رؤبة فى مطلع إحدى قصائده : وقائم الأعماق خاوى المخترق (٣) ، مما يؤكد أنها غير عاطفة ، إذ لا يسبقها أحيانا شىء يمكن أن تعطف عليه (٤). وكان يرى أن كان الناقصة وأخواتها لا تدل على الحدث ، وإنما تدل على الزمان
__________________
(١) الإنصاف ص ١١٨ وسر صناعة الإعراب ١ / ١٤٦ والهمع ١ / ٢٢٤.
(٢) الهمع ٢ / ١١٥.
(٣) قاتم صفة لفلاة ، والأعماق : أطرافها.
(٤) المغنى ص ٤٠٠.
(٥) الهمع ١ / ١١٢.