وطيئ وهذيل وبعض عشائر كنانة (١). وأضافوا إلى هذا الينبوع الأساسى ينبوعا بدويّا زحف إلى بلدتهم من بوادى نجد ، وهو نفر من الأعراب الكاتبين قدم إلى البصرة واحترف تعليم شبابها الفصحى السليمة وأشعارها وأخبار أهلها. وفى الفهرست لابن النديم ثبت طويل بأسماء هؤلاء المعلمين (٢) من الأعراب الذين وثّقهم علماء البصرة وأخذوا عنهم كثيرا من المادة اللغوية والنحوية سجلوها فى مصنفاتهم. وكان القرآن الكريم وقراءاته مددا لا ينضب لقواعدهم ، وتوقف نفر منهم إزاء أحرف قليلة فى القراءات لا تكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة ، وجدوها لا تطرد مع قواعدهم ، بينما تطرد معها قراءات أخرى آثروها ، وتوسع فى وصف ذلك بعض المعاصرين ، فقالوا إنهم كانوا يردون بعض القراءات ويضعفونها ، كأن ذلك كان ظاهرة عامة عند نحاة البصرة مع أنه لا يوجد فى كتاب سيبويه نصوص صريحة مختلفة تشهد لهذه التهمة الكبيرة. وسنرى الأخفش الأوسط يسبق الكوفيين المتأخرين إلى التمسك بشواذ القراءات والاستدلال عليها من كلام العرب وأشعارهم. وفى احق أن بصريى القرن الثالث هم الذين طعنوا فى بعض القراءات ، وهى أمثلة قليلة لا يصح أن تتّخذ منها ظاهرة ولا خاصة عامة ، وقد كانوا يصفونها بالشذوذ ويؤولونها ما وجدوا إلى التأويل سبيلا. وكانوا لا يحتجون بالحديث النبوى ولا يتخذونه إماما لشواهدهم وأمثلتهم لأنه روى بالمعنى إذ لم يكتب ولم يدوّن إلا فى المائة الثانية للهجرة ، ودخلت فى روايته كثرة من الأعاجم ، فكان طبيعيّا أن لا يحتجوا بلفظه وما يجرى فيه من إعراب ، وتبعهم نحاة الكوفة ، وفى ذلك يقول أبو حيان : إن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبى عمرو بن العلاء وعيسى بن عمرو الخليل ابن أحمد وسيبويه من أئمة البصريين والكسائى والفراء وعلى بن المبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفيين لم يحتجوا بالحديث ، وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين (٣). وأما من حيث القياس والتعليل فقد توسعوا فيهما ، إذ طلبوا لكل قاعدة علة ، ولم يكتفوا بالعلة التى هى مدار الحكم فقد التمسوا
__________________
(١) المزهر للسيوطى (طبعة الحلبى) ١ / ٢١١.
(٢) الفهرست ص ٧١ وما بعدها.
(٣) الاقتراح للسيوطى (طبعة حيدر آباد) ص ١٧ والهمع ١ / ١٠٥.