«حتى» تنصب المضارع بنفسها لا بأن مضمرة وجوبا كما ذهب البصريون (١) وذهب إلى أن «ليت» كما ترفع الخبر قد تنصبه مع نصب الاسم كقول بعض الشعراء : «يا ليت أيام الصبا رواجعا» وزعم أن ليت حينئذ تجرى مجرى «أتمنى» وأوّل ذلك الجمهور على أن الخبر محذوف و «رواجعا» حال ، وأوّله الكسائى على حذف كان مقدرة قبل الخبر أى «يا ليت أيام الصبا كانت رواجع» (٢)
وكان يذهب إلى أن «مالك ، وما بالك ، وما شأنك» تنصب الاسم الذى يليها معرفة ونكرة كما تنصب كان وأظن لأنها نواقص فى المعنى وإن ظننت أنهن تامات ، فتقول «مالك الناظر فى أمرنا» و «مالك ناظرا فى أمرنا» ، وكذلك أختاها. وبذلك وجّه الإعراب فى قوله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) وقوله : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) وكأنه جعل كل هذه الحروف أفعالا ناقصة ، بل لقد صرح بذلك فى تضاعيف كلامه (٣).
وإذا تركنا العوامل إلى المعمولات لقيتنا له آراء كثيرة وخاصة حين يعمد إلى التقدير والتخريج ، من ذلك أنه كان يذهب مذهب الأخفش فى أن المرفوع بعد إذا وإن الشرطية فى مثل : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) مبتدأ وليس فاعلا لفعل محذوف كما ذهب إلى ذلك سيبويه وجمهور البصريين (٤). وكان يجعل الاسم المنصوب فى باب الاشتغال فى مثل «محمدا لقيته» منصوبا بالهاء التى عادت عليه من الفعل ، بينما ذهب الكسائى إلى أن الضمير ملغى ، وذهب البصريون إلى أن «محمدا» فى المثال مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور (٥). وذكرنا أنه كان يذهب فى مثل قام وقعد محمد إلى أن محمدا فاعل للفعلين جميعا ، بينما كان يذهب الكسائى إلى أن الفعل الأول فاعله محذوف ولا فاعل له ، وذهب البصريون إلى أن محمدا
__________________
(١) معانى القرآن ١ / ١٣٤ وما بعدها وانظر الهمع ٢ / ٨.
(٢) ابن يعيش ٨ / ٨٤ والرضى ٢ / ٣٢٢ والمغنى ص ٣١٦ والهمع ١ / ١٣٤.
(٣) معانى القرآن ١ / ٢٨١.
(٤) الرضى ١ / ١٦٢ وانظر ابن يعيش ٩ / ١٠ والمغنى ص ٦٤٣.
(٥) الرضى ١ / ١٤٨ والإنصاف المسألة رقم ١٢ والهمع ٢ / ١١٤ وانظر معانى القرآن ٢ / ٢٠٧.