ونراه يقف فى صف الكسائى ضد الفراء فى جواز حذف الفعل مع الوقت حين يكون قريبا ، يقول : «وحكى الكسائى ؛ نزلنا المنزل الذى البارحة والمنزل الذى اليوم والمنزل الذى أمس ، فيقولون فى كل وقت شاهدوه من قرب ويحذفون الفعل معه ، كأنهم يقولون نزلنا المنزل الذى نزلنا أمس ، والذى نزلناه اليوم ، اكتفوا بالوقت من الفعل إذ كان الوقت يدل على الفعل ، وهو قريب ، ولا يقولون الذى يوم الخميس ولا الذى يوم الجمعة ، وكذا يقولون لا كاليوم رجلا (بتقدير لقينا رجلا) ولا كالعشية رجلا ولا كالساعة رجلا ، فيحذفون مع الأوقات التى هم فيها ، وأباه الفراء مع العلم وهو جائز .. وكل ما كان فيه الوقت فجائز أن يحذف الفعل معه ، لأن الوقت القريب يدل على فعل لقربه» ومثل ثعلب لذلك من الشعر بقول جرير :
يا صاحبىّ دنا الصباح فسيرا |
|
لا كالعشيّة زائرا ومزورا |
أى لا أرى كالعشية زائرا ومزورا (١).
على أن وقوف ثعلب مع الكسائى فى هذه المسألة لا يعنى أنه لم يكن يعتمد على الفراء كل الاعتماد ، فقد رأيناه يستظهر جملة المصطلحات النحوية التى وضعها لنحاة الكوفة. ولا أبالغ إذا قلت إن ثعلبا لم يترك بيتا شاذّا فى معانى القرآن للفراء إلا أنشده فى كتبه ، ونفس مجالسه تغص بالأبيات التى اقتبسها من هذا الكتاب. وهو يبدو فى كثير من كتاباته كأنه شارح لما أجمله الفراء من آراء نحوية ، ونضرب لذلك مثلا : أننا نجد الفراء فى الآية الكريمة : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) يدلى برأيين : أن تكون «ماذا» كلمة واحدة بمعنى أى شىء وهى لذلك تكون مفعولا به لينفقون لأن اسم الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله إذ له الصدارة وإنما يعمل فيه ما بعده ، أو تكون ذا بمعنى الذى أى ما الذى ينفقون ، وإذن تكون خبرا لما وينفقون صلتها ، ويسند هذا الرأى بأن العرب قد تذهب بهذا وذا إلى معنى الذى ، فيقولون : «ومن ذا يقول ذاك» فى معنى «من الذى يقول ذاك». ثم يقف عند (قُلِ الْعَفْوَ) فيقول : «وجه الكلام فيه النصب ،
__________________
(١) المجالس ص ٣٢١ وما بعدها.