يريد قل ينفقون العفو» (١). وكأنه أبطل أن تكون «ماذا» مبتدأ وخبرا لأنه على تقدير معناها : «ما الذى ينفقون» تكون الإجابة الذى ينفقون العفو ، وتكون العفو خبرا لمبتدأ محذوف. ويوضح ذلك ثعلب ، فيقول : «وإنما اختار الفراء النصب لأن معنى ما ذا عندنا (أى عند الكوفيين) حرف (أى لفظ) واحد كثر فى الكلام ، فكأنه قال ما ينفقون ، فلذلك اختير النصب ، ومن جعل ذا بمعنى الذى رفع» (٢).
ودائما نحس أنه يجرى على ما أنهجه الفراء ، ولذلك كان اسمه يتردد فى مجالسه متخذا منه أدلته على ما يذهب إليه من آراء ، من ذلك أن سيبويه والبصريين كانوا يذهبون إلى أن «أى» تكون دائما وصلة لنداء ما فيه أل مثل يا أيها الرجل ، وردّ ثعلب عليهم هذا الرأى مستدلا بما قاله الفراء من أن «الدليل على أنه ليس كما قالوا أنه يقال خ خ يا أيهذا أقبل فيسقط الثانى (أى ما فيه أل مثل الرجل) الذى زعم أنه وصف لازم» (٣). وكان الفراء يذهب كما مر بنا فى الفصل السابق إلى أن نعم وبئس اسمان مخالفا بذلك البصريين والكسائى ، وتبعه ثعلب محتجا بما نقل عن العرب من دخول حرف الخفض عليها ، إذ بشّر أعرابى بمولودة فقال : والله ما هى بنعم المولودة ، يقول ثعلب : فأدخلوا على نعم وبئس حرف الخفض ، ودخول حرف الخفض يدل على أنهما اسمان لأن حروف الخفض لا تدخل إلا على الأسماء (٤). وقد يذهب ثعلب إلى بعض الآراء التى يظن أنها من اجتهاده ، وهى فى الواقع مستمدة من كلام الفراء ، من ذلك ما يتردد فى كتب النحاة من أنه كان يقول بأن اللام الناصبة للمضارع إنما تنصبه لقيامها مقام أن الناصبة له ، أو بعبارة أخرى لنيابتها عن أن (٥) ، بينما كان الفراء يذهب إلى أن اللام تنصب المضارع بنفسها لا بأن مضمرة كما ذهب البصريون ، وثعلب فى الواقع إنما استمد رأيه من فول الفراء تعليقا على قوله تعالى : (يُرِيدُ
__________________
(١) معانى القرآن ص ١٣٨.
(٢) اللسان ١٩ / ٣٠٧.
(٣) المجالس ص ٥٢ وراجع الكتاب ١ / ٣٠٦.
(٤) الإنصاف ، المسألة رقم ١٤.
(٥) المغنى ص ٢٣١ والهمع ٢ / ٧ وابن يعيش ٨ / ٢٠ حيث نص على أن حتى عنده أيضا تعمل لنيابتها عن أن.