عنه مذهب الكوفيين مثل ابن كيسان وابن شقير وابن الخياط وابن الأنبارى ، فنحن إنما نحكى علل الكوفيين على ألفاظ هؤلاء ومن جرى مجراهم ، مع أنه لا زيادة فى المعنى عليهم ولا بخس حظ يجب لهم» (١).
ومعنى ذلك أن ابن كيسان وابن شقير وابن الخياط الذين جمعوا بين علمى البصرة والكوفة كما يقول الزجاجى هم الذين اشتقوا احتجاجات الكوفيين فى جملتها ، وهم الذين انتزعوا مقاييسها وعللها ، مع ما أمدهم به الكوفيون من الكسائى إلى ابن الأنبارى.
وكان تثقفهم بالنحو البصرى وما بسط فيه من العلل والمقاييس ووجوه الاحتجاج مادة صاغوا منها عملهم. وبذلك تتضح لنا صحة ما رواه صاحب الإنصاف من احتجاجات الكوفيين بإزاء احتجاجات البصريين فإن من يبحث عن هذه الاحتجاجات فيما وصلنا من كتابات الفراء وثعلب قلما يجد لها أصلا عندهما ، مما قد يدعو إلى الشك فى صحتها وأنها قد تكون من عمل بصريين متأخرين كما ظن ذلك فايل فى مقدمته للإنصاف ، وهو ظن واهم ، إنما هى من عمل أوائل البغداديين ممن سميناهم وأمثالهم ، ممن حاولوا ـ كما لاحظ الزجاجى ـ الاحتجاج للآراء الكوفية والاحتيال لها والتلطف فى بيانها. وهم أنفسهم الذين يطلق عليهم ابن جنى تارة اسم الكوفيين مدمجا فيهم سابقيهم من أمثال الكسائى والفراء ، وتارة يطلق عليهم اسم البغداديين ، يقصدهم وحدهم دون من تقدموهم من الكوفيين ، وهو الاسم الصحيح الذى يتطابق مع ما أكدته كتب التراجم من خلطهم بين آراء المدرستين الكوفية والبصرية.
وكان يعاصرهم من يخلط بين آراء المدرستين نازعا نزعة بصرية قوية ، على نحو ما يلقانا عند الزجاجى ، وخلفه أبو على الفارسى وتلميذه ابن جنى ، وكانا أشد منه نزوعا إلى آراء المدرسة البصرية ، ولعلهما من أجل ذلك كانا ينسبان أنفسهما إلى تلك المدرسة ، مما جعل الأمر يغمّ على بعض المعاصرين ، فيضيفهما إلى البصريين (٢) ، وهما ـ كما سنرى عما قليل ـ بغداديان ، يقفان غالبا مع
__________________
(١) الزجاجى ص ١٣١.
(٢) انظر مقدمة الشيخ محمد على النجار لكتاب الخصائص ص ٤٤.