البصريين وقد يقفان مع الكوفيين حسب ما يقتضيه اجتهادهما ، وقد يخالفانهما جميعا حسب ما صحّ عندهما من الرأى الصائب.
وتلك هى المنازع العامة للمدرسة البغدادية ، وكأنما اتجهت اتجاهين : اتجاها مبكرا عند ابن كيسان وابن شقير وابن الخياط نزع فيه أصحابه إلى آراء المدرسة الكوفية وأكثروا من الاحتجاج لها ، مع فتح الأبواب لكثير من آراء المدرسة البصرية ، وأيضا مع فتح باب الاجتهاد لبعض الآراء الجديدة ، واتجاها مقابلا عند الزجاجى ثم عند أبى على الفارسى وابن جنى ، نزع فيه أصحابه إلى آراء المدرسة البصرية وهو الاتجاه الذى ساد فيما بعد لا فى مدرسة بغداد وحدها ، بل فى جميع البيئات التى عنيت بدراسة النحو. ولعل من الخير أن نقف وقفة قصيرة عند أهم من مشّلوا المنزعين فى نشأة تلك المدرسة ، وهما ابن كيسان والزجاجى ، ثم نتلوهما بالحديث عن أبى على الفارسى وابن جنى ومن جاء فى إثرهما من نحاة إيران والعراق والشام ممن استضاءوا بمنهجهما النحوى فى نشاطهم العلمى.
ابن كيسان (١)
هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان ، وسلكه بروكلمان وبعض كتاب التراجم فى المدرسة البصرية ، وهو يعد أول أئمة المدرسة البغدادية ، فقد توفى سنة ٢٩٩ للهجرة ، وكان قد أخذ عن المبرد وثعلب وأتقن مذهبى البصريين والكوفيين فى النحو ، وكان أبو بكر بن مجاهد إمام القراء فى عصره يقول هو أنحى من ثعلب والمبرد ، وصنف كتبا كثيرة منها كتاب اختلاف البصريين والكوفيين وكتاب الكافى فى النحو وكتاب التصاريف ، وكتاب المختار فى علل النحو فى ثلاث مجلدات وقد أشار إليه الزجاجى فى الإيضاح ، ولعله هو الذى عنى فيه بوضع احتجاجاته لآراء المدرسة الكوفية.
__________________
(١) انظر فى ترجمة ابن كيسان الزبيدى ص ١٧٠ والسيرافى ص ١٠٨ ومراتب النحويين ص ١٤٠ ونزهة الألباء ص ٢٣٥ وتاريخ بغداد ١ / ٣٣٥ ومعجم الأدباء ١٧ / ١٣٧ وإنباه الرواة ٣ / ٥٧ ومرآة الجنان ٢ / ٢٣٦ وشذرات الذهب ٢ / ٢٣٢ وبغية الوعاة ص ٨.