والتوكيد إنما هو لخبر زيد لا لخبرك عن نفسك لأن «إن» لا تتعلق بخبرك وهى متجاوزة إلى الخبر (١).
ولابن كيسان بجانب ذلك آراء اجتهادية كثيرة انفرد بها ، فمن ذلك أنه كان يجوّز تذكير الفعل مع المبتدأ المؤنث المجازى مثل «الشمس طلع» لمجىء ذلك على لسان الشعراء فى مثل : ولا أرض أبقل إبقالها. كما جوز تذكير الفعل مع الفاعل المؤنث الحقيقى بدون فاصل لقول بعض الشعراء : تمنى ابنتاى أن يعيش أبوهما. واستدل أيضا بأن سيبويه حكى عن بعض العرب : «قال فلانة» (٢). وكان يعتلّ بأن الحال سدت مسد الخبر فى مثل «كتابتى الشعر قائما» لشبهها بالظرف فكأنما قيل كتابتى الشعر فى حال قيام (٣). وذهب الجمهور إلى أن أمس بنيت لتضمنها معنى لام التعريف ، بينما ذهب ابن كيسان إلى أن علة بنائها تضمنها معنى الفعل الماضى ، وأعربت «غد» لأنها فى معنى الفعل المستقبل وهو معرب (٤). وكان يذهب إلى جواز تقدم الحال على صاحبها المجرور مستدلا بقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) بينما كان سيبويه وكثير من البصريين يمنعون ذلك (٥). وذهب الجمهور فى مثل ما قام زيد ولكن عمرو إلى أن الواو هى العاطفة ولكن حرف ابتداء ، بينما ذهب ابن كيسان إلى أن لكن هى العاطفة والواو زائدة (٦). ومنع الجمهور جمع مثل أحمر جمع مذكر سالما وكذلك جمع حمراء جمع مؤنث سالما ومثلهما سكران وسكرى ، وجوز ذلك ابن كيسان ، فيقال فى رأيه أحمرون وحمراوات وسكرانون وسكرايات (٧).
ولعل فى كل ما قدمنا ما يدل على براعة ابن كيسان وكيف ابتدأ المدرسة البغدادية ، فهو يعكف على آراء الكوفيين والبصريين دارسا فاحصا ، منتخبا لنفسه طائفة من الآراء البصرية وأخرى من الآراء الكوفية ومشتقّا لنفسه آراء جديدة مبتكرة.
__________________
(١) الهمع ١ / ١٤٠.
(٢) المغنى ص ٧٣١ والهمع ٢ / ١٧١.
(٣) الهمع ١ / ١٠٦.
(٤) الهمع ١ / ٢٠٨.
(٥) الرضى ١ / ٨٩.
(٦) المغنى ص ٣٢٤ والهمع ٢ / ١٣٨.
(٧) الرضى ٢ / ١٦٩.